الثلاثاء، 29 يناير 2013

التهدئة السياسية علم أم دعاية ؟

حافظ آل بشارة
في كل أزمة سياسية تمر بالبلد يأتي الحديث عن الحل، والحل يضم دائما عددا من الخطوات المتسلسلة تعلنها المرجعية العليا او يعلنها المجلس الاعلى عادة، واعتدنا ان نسمع ان الحل تتصدره (التهدئة)، وبعد التهدئة يبدأ الحوار، وبعد الحوار تفكيك المشكلة، وبعد التفكيك عرض معالجة لكل جزء من المشكلة على حدة، والبحث هنا في (التهدئة) ولكن كثيرا من الناس يتصورون خطأ ان كلمة (تهدئة) التي تريدها المرجعية مجرد كلمة للاستهلاك الاعلامي، بينما (التهدئة) في حقيقتها برنامج علمي متكامل له مقدمات وذروة وخواتيم وخلاصة، وبدايتها تطوير قناعات الطرف المخالف من كونها تصورات مثالية تسبب لأصحابها الانفعال والتشدد الى حقائق تظهر بحجمها الحقيقي وتصبح قابلة للحل، فليست التهدئة عبارات وكلمات لتطييب الخواطر، بل هي نقاش يجعل كل طرف يعيد اكتشاف الطرف الآخر ومشكلته بحجمها الحقيقي، بتقديم بحث تحليلي تفصيلي فاذا كان الشيطان يكمن في التعميم فيمكن ان يهرب من التفاصيل.
جميع المشاكل السياسية فيها استعداد كامن لقبول التهدئة، فالمشكلة في بداية انفجارها يشترك فيها:
1 - طرف متشدد لا يقبل النقاش ويعتبر نفسه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة كلها، ويرى تعريفه للمشكلة هو التعريف الوحيد وتعريفه للحل هو التعريف الوحيد، ومشكلة المتشدد مشكلة مزاج وبناء نفسي وقيمي، ويلعب الجهل والحسابات المسبقة دورها في صناعة المتشددين وبلورة اسلوبهم في التفكير واتخاذ القرار وتقييمهم للعالم الموضوعي من حولهم.
2 - طرف معتدل هو اكثر استعدادا لرؤية المشكلة بموضوعية ورؤية العناصر الايجابية والسلبية، ورؤية الذات والشريك ورؤية الآخر المخالف بموضوعية.
3 - تتولى التهدئة عادة التحدث مع المتشدد والحضور معه بقوة مع التلويح بعناصر الردع وعناصر الصداقة بالتساوي، واقناعه بأن المخالف ليس نقيضا وجوديا يجب استئصاله او الغاؤه، بل هو نقيض مصالح، وما دامت هناك مصالح متناقضة يمكن ايضا العثور على مصالح متوافقة بين الطرفين، ثم اقناع المتشدد بأن مصالحه معترف بها ومحترمة مع مطالبته بأن يجري الحديث في الأمور المشتركة الممكنة كما يجري الحديث في الخلافات، واعطاء فرصة لحديث المشتركات بحجم فرصة الحديث عن الخلافات، وتأتي خطوة أخرى في تهدئة الخصم وهي تقوية جناحه المعتدل والسماح له بالحديث وحمايته من غضب شريكه المتشدد، فأما ان يكون يتحقق للمعتدل صوت مؤثر وأما ان يحدث انشقاق بين الشريكين وكلا النتيجتين تخدم التهدئة، فتنتقل مطالب المخالف من الرفض القاطع الى الرفض النسبي، ينتقل من العناد الى قبول النقاش، ينتقل من اليأس الى التفاؤل بإمكانية الحل، وبهذا تتحقق التهدئة، فهي اذن ليست عبارة للاستهلاك الاعلامي بل خطوات تجعل الخصم المتشدد اكثر مرونة وهذه الخطوات تحتاج الى نوعين من العمل: عمل تفاوضي خلف الكواليس، وحملة رأي عام تحشد شارع الخصم لقبول التهدئة، فاذا تحققت التهدئة تبدأ الخطوة الثانية وهي الحوار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق