الأحد، 27 يناير 2013

الأقلية والأكثرية في مصر الثورة


نحب أن نبدأ بقضيتين ردا على متعهدي الهجاء الذين ينتشرون في المواقع يرددون ذات “الكليشيهات” بصرف النظر عن الكلام المكتوب، أولاها أن انحيازنا الذي لا يتزعزع هو لحرية الشعوب، ولو شعرنا أن مرسي يريد أن يكون دكتاتورا أو أن يلغي حرية اختيار الشعب لممثليه وقادته لوقفنا ضده دون تردد، لأن الأيديولوجيا لا تعمينا كما تعمي كثيرين، بدليل وقوفنا مع الشعب السوداني ضد نظام البشير “الإسلامي” منذ سنوات طويلة بعد أن حوّل الحكم إلى دكتاتورية مقنعة على طريقة ديمقراطيات الديكور العربية التي بدأت تتهاوى بعد الربيع العربي.
القضية الثانية أننا حين نتحدث عما جرى الجمعة في مصر الحبيبة بمناسبة الذكرى الثانية لثورة 25 يناير المجيدة، فإننا نفرق بين من تظاهروا أو اعتصموا احتجاجا على ما يرونه أخطاء، وبين من خرجوا (بعضهم كانوا ملثمين ومنظمين سموا أنفسهم بلاك بلوك) يعتدون على الممتلكات العامة، ويشتبكون مع رجال الأمن دون أدنى مبرر.
نحن مع حق التظاهر السلمي دون تردد، لكن هذا لا يعني البتة أن المتظاهرين دائما على حق، بمن فيهم أناس شاركوا في الثورة وكان لهم دور مهم فيها، لاسيما حين يرفعون شعارات هي في جوهرها ضد روح الثورة التي تعني الاختيار الحر لمجموع الناس ولا تعني دكتاتورية الأقلية بسطوة الصراخ والفوضى وتجييش الفضائيات.
إذا كانت هذه هي الثورة فهي انقلاب، لاسيما أن الانقلاب وإن عبر عن هاجس الغالبية أحيانا، إلا أنه يبقى من فعل نخبة، والثورة ليست كذلك، إذ أنها تعبير عن مجموع الناس في مبدأها ومنتهاها.
إذا لم تنته الثورة بحكم الصناديق فهذا يعني الفوضى، ومرسي ليس دكتاتورا كي يطالب البعض بإسقاطه. فهو لن يعرض نفسه على الناس بعد ثلاث سنوات وحسب، بل سيرعى وجبة الديمقراطية الأهم بعد شهور قليلة ممثلة في انتخاب مجلس الشعب الذي سيشكل الحكومة بعد ذلك. ثم إن الحديث عن الإخوان بروحية أنهم سرقوا الثورة هو محض كذب وتزوير، ولو عاد أي أحد إلى موقع “يوتيوب”، أو إلى “غوغل” لوجد كثيرا من رموز المزايدين اليوم يقرون بدور الجماعة في الثورة وحمايتها ومنحها الديمومة وصولا إلى الانتصار (يوم موقعة الجمل يشهد به الجميع). كما أنهم خاضوا انتخابات نزيهة بعد الثورة تماما مثل الآخرين وأخذوا نصيبهم، فلماذا هذه الهجمة الظالمة؟!
ثم ماذا حين يرفع بعضهم شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”؟ عن أي نظام يتحدثون. إن مرسي ليس هو النظام حتى الآن، لا هو ولا الإخوان. إنهم لا يزالون على الهامش في مواجهة الدولة العميقة، وهو كلما تقدم خطوة في تفكيك البنية القديمة، صرخ أولئك القوم: “امسك دكتاتور”. إن من دافعوا عن النائب العام السابق الذي هو من إرث مبارك ووضعوا أيديهم في أيدي أمثال أحمد الزند وأحمد شفيق، وصفقوا لحل مجلس شعب منتخب بعد ثورة في سابقة لم تحدث في التاريخ (يطالب بعضهم بحل مجلس الشورى أيضا)، ومن دافعوا عن محكمة دستورية هي من إرث الفساد لا يمكن أن يكونوا حريصين على تحقيق أهداف الثورة، بقدر ما يمارسون المناكفة الحزبية والأيديولوجية. وعندما تنضم المستشارة تهاني الجبالي إلى متظاهري ميدان التحرير فهذا يعكس المزاج السائد في بعض الأوساط فيه، هي التي تنتمي (أعني الجبالي) إلى أسوأ مراحل حقبة مبارك، أعني هيمنة زوجته وتدخلاتها في الشأن العام.
إن ما جرى من حرق وتدمير وتخريب يوم الجمعة لا يمكن أن ينتمي إلى روح ثورة يناير النبيلة والتاريخية الرائعة، لكن النكاية الحزبية والأيديولوجية لا زالت تعمي كثيرين، والنتيجة أن هناك من يريد الاستعانة بالبلطجة والتخريب من أجل تحقيق أهداف سياسية، حتى لو لم يكن هو من يمارسها أو يأمر بها، فيما يعلم أن هناك من يمارسونها ويأمرون بها من فلول النظام السابق ومليارديريته.سنكون بعد شهور قليلة أمام استحقاق الانتخابات (انتخابات مجلس الشعب)، وما دام بعض القوم يزعمون أنهم يمثلون الأغلبية، فليتفضلوا وليفوزوا ويأخذوا وضعهم الطبيعي في الحكومة رغم أنف مرسي، وليصبروا عليه حتى يكمل مدة رئاسته ثم يزيحوه من خلال الانتخابات. أليست هذه هي روح ثورة 25 يناير الحقيقية بعيدا عن المزايدة والتخريب؟
 
مقالات للكاتب ياسر الزعاترة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق