الأربعاء، 6 فبراير 2013

الربيع العربي..كان عراقياً..


ما شهدته السنتان الاخيرتان من تغير واضح على الساحة الشرق اوسطية، تمثل بالثورات العربية التي اطلق عليها فيما بعد، بالربيع العربي، كانت بمثابة الطفرة النوعية، لحالة دامت واستمرت عقود عدة، تمثلت بهيمنة افراد وعوائل على الحكم في أغلب البلدان العربية، والذين طبقوا قانون المستورث على الحكم، دون الاخذ بنظر الاعتبار اي مسار ديمقرطي في تغيير السلطة، وان حدث ذلك في بعض الدول، فهو شكلي اكثر مما هو حقيقي، غايته التماشي مع حركة الديمقراطية العالمية، وذر الرماد في العيون.
وهذه الثورات التي انتقلت بسرعة من بلد الى بلد اخر، كان لكل منها وضعه وترتيبه الخاص الذي وان تشابه في المضمون، وهو الاطاحة بالانظمة، الا انه اختلف بعضه عن البعض الاخر في تفاصيله وجزئياته، التي مهما اختلفت، الا انها في النتيجة كانت تصب في مصب واحد وهدف مشترك واحد، وهو الاصرار على تغيير الحكم ونظامه الفاسد في تلك البلدان، وقد تحقق في البعض منها، ومازال يصارع ويحتضر في البعض الاخر. وهنا قد يسأل قاريء العنوان، هل فعلاً ان الربيع العربي ابتدأ عراقيا؟!. اقول له وكلي ألم وحسرة، نعم، ان اول بدايات نسيم الربيع العربي، انطلقت من ارض الرافدين، وتحديداً بعد الغزو الصدامي للجارة العزيزة الكويت، اي في العام 1991، والتي سميت فيما بعد، بالثورة الشعبانية، او الانتفاضة الشعبانية. وهذه الثورة، التي كانت عفوية فطرية في بدايتها، سرعان ما دب فيها لهب التحرر، فشارك ابناء هذا البلد الجريح بمختلف اصنافهم وعناوينهم ودياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم، بمعية مراجعهم وقياداتهم الدينية، في صنع احداث تلك الثورة، وتضحياتها وبطولاتها، ورسموا بدمائهم الطاهرة الزكية درب الحرية. وقد كان من ابرز الشخصيات القيادية في تلك المرحلة والتي ذكرتنا بموقف السيد الحبوبي ابان ثورة العشرين، هو السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره، والذي تصدى شخصياً للمسؤولية واعلن بنفسه وعلى لسانه من الصحن الحيدري الشريف الجهاد ضد الزمرة البعثية العفنة، ومن ثم تلاه السيد العارف المرحوم عبدالاعلى السبزواري قدس سره، والذي قرأ بيانه على الثوار بالنيابة عنه نجله الكبير السيد محمد السبزواري قدس سره، الذي اغتيل فيما بعد بحادث سيارة خارج العراق. فكان حينها سعير لهيب الثورة، اسرع مما توقعه الجميع، اذ انه سرى سريان النار في الهشيم، فأكل اخضر البعث ويابسه، فتوالى سقوط المحافظات بيد المجاهدين، حتى انه من الممكن القول ان اكثر من ثلثي المحافظات، اصبحت رسمياً تحت تصرف الثوار والمجاهدين. وقد نقل عن المجرم حسين كامل، صهر الرئيس العراقي الدكتاتور صدام، حين فرّ الى الاردن قوله، انه والزمرة الحاكمة في ايام الانتفاضة الشعبانية، شدوا الرحال، واحزموا حقائبهم، لغرض الهروب من العراق، الا ان الضوء الاخضر الامريكي الذي اعطته الادارة الامريكية في وقتها للمجرم صدام، غير كل معالم الخارطة الجديدة، واعاد الامور الى مربعها الاول. فبعد ان سيطر المقاتلون المجاهدون على اغلب محافظات العراق، تفاجئوا كما تفاجأ قائد عمليات عاصفة الصحراء انذاك الجنرال شوارسكوف، عن موافقة الادارة الامريكية للطيران العراقي الحربي بالتحليق فوق المحافظات الوسطى والجنوبية، باستثناء محافظات الشمال، التي سميت فيما بعد بالاقليم، والسماح لها بالتصدي للثوار، فكان هذا القرار بمثابة اعلان حرب على المنتفضين، وحكم اعدام جاهز بحق الثورة، اصدرته الرئاسة الامريكية، ونفذته قوات المجرم صدام بحق ابناء شعبها بكل حرفية. وفعلاً، فقد حلقت الطائرات الحربية العراقية، ورمت بكل ثقل حقدها، على المنازل والقرى الأمنة، بل وصل فيما بعد الامر، بعد ان سيطرت القوات البعثية على زمام الامور، الى ان تقوم الطائرات بحمل الناس ورميهم من الاعلى الى الارض، فامتلات الشوارع بالجثث، دون التمييز بين من كان يقاتل او لم يقاتل، فآلة الحقد والكره وحب السلطة والاخذ بالثار، أكلت كل شيء امامها، ولم تميز بين الجميع. واصبحت الارض التي كانت تطؤها اقدام المجاهدين، مقبرة احتضنت جثثهم باسرع مما كانوا يتوقعون. ولم يكن الامر محصورا بامريكا فقط، بل شاركتهم في الرأي والموقف بعض دول الجوار الاقليمي، التي لم ترغب مطلقاً ان يقود الحراك الداخلي في العراق ابناء الشعب انفسهم، وان يغيروا سلطتهم بايديهم، كي لا تكون فعلتهم سنة معمول بها مستقبلا في غيرها من البلدان الاخرى، وتحديداً بلدانهم. والموقف الامريكي المزدوج السابق في العراق، والداعم للنظام الدكتاتوري الصدامي، نراه اليوم يتجدد في بعض البلدان الثائرة، كالبحرين مثلاً، فامريكا التي لوحت في بدايات كل الثورات العربية الى انها تقف مع الشعوب ضد الحكام، كان موقفها من الثورة البحرينية الصابرة بالند والسلب، فهي كانت ومازالت الداعمة للنظام الخليفي الظالم، ومؤيدة له، بل ان اسطولها البحري الخامس الذي يرسو على سواحلها، يمثل السد الامين لحماية العائلة الحاكمة ومرتزقتها في المنطقة. ولو التفتنا بتركيز الى الجانب الاخر من المعادلة في المنطقة، وتحديداً الى الجارة الجريحة سوريا، نجد ان امريكا تتعامل بازدواجية واضحة مع الثورات، فهي في الوقت الذي تقف موقف الداعم مع النظام الخليفي ضد شعبه، تقف بالضد في سوريا، فهي لم تتوقف عند حدود الدعم الاعلامي والسياسي وحسب، بل غضت الطرف عن الدعم المادي والعسكري للمقاتلين ضد النظام في الداخل، وصمتت عن تصريحات البعض العلنية المؤيدة لدعم المعارضة عسكرياً، وهذا ان دل على شيء، فهو يدل دلالة واضحة، على ان الولايات المتحدة الامريكية، تكيل بمكيالين، وتنظر بعين واحدة، تتمثل بمصلحتها فقط، ومصلحة ابنتها المدللة اسرائيل، والا لا يمكن باي شكل من الاشكال تبرير ما فعلته في السابق في العراق، وما تفعله اليوم في البحرين وسوريا على حد سواء. وعليه، فانه على الشعوب الثائرة المكافحة، الرافضة للظلم، ان ارادت النصر، ان لا تثق مطلقاً بامريكا، وان لا تنغر بتصريحاتها، او تنجر خلف وعودها، فهي سرعان ما تنقلب عليها، وتتنصل منها، والمهم في البين، ان تعتمد على الله وعلى قدرات ابنائها، دون انتظار يد امريكا لتخلصها، لان يد امريكا لا تمتد الا لمن يكون خاضعا خانعا لها، ولم نعتد من الثائرين بوجه الظلم انهم كانوا يوماً خاضعين او خانعين. اللهم انصر كل الشعوب المظلومة، وحقق اهدافها ومرادها.
مقالات للكاتب جليل النوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق