الاثنين، 4 فبراير 2013

تسييس المكونات وشعوذة التقسيم


حافظ آل بشارة
في العراق وحده وبعض الدول المتخلفة يجري الحديث عن المكونات وحصص المكونات وحقوق المكونات ومظلومية المكونات، فهناك عربي وكردي وشيعي وسني وغيرهم، شعوذة التقسيم تقود الى اختراع مكونات جديدة قد تكون بحجم قرية واحدة، واغرب شيء ان بعض الدلالين السياسيين ارادوا تكوين اقلية زنوج البصرة!، هناك مجال واسع للتحشيش السياسي في العراق، تحدثوا عن مظلومية الشاذين جنسيا في العراق وقد يعلنونهم ذات يوم كأقلية!، كل بلدان الكرة الأرضية مكونة من طوائف واعراق واثنيات، الهند فيها مئات القوميات والاديان وكذلك اندونيسيا واميركا وماليزيا وغيرها عشرات الدول ولم يمنعهم ذلك من بناء دولة موحدة تذوب فيها المكونات بلا ظلم، لماذا يختلف العراق عنهم حتى يبدو مشهده السياسي وكأنه يعيش حقبة صراع الطوائف في اوروبا ثم حرب الثلاثين عاما من سنة 1618 الى سنة 1648 حيث تذابح الكاثوليك والبروتستانت والعرقيات المختلفة، وراحت المكونات تسحق بعضها وهزمت الكنيسة ولم تنته الكارثة الا بعقد معاهدة (وستيفاليا) حيث تبلور الشكل الحديث للقارة الاوربية، تلك الدماء اثمرت ظهور (دولة المواطنة) المعبرة عن بغض الشعوب للتقسيم القومي أو الديني أو الطائفي.
كان درسا لمن يستخدم مفهوم المكونات غطاءً لطموحات وصراع القادة المهووسين بالسلطة والثروة، في العراق بدأ تسييس المكونات منذ سقوط الدولة العباسية وظهور دول الطوائف والاعراق، وجاءت الدولة العثمانية بسياسة التتريك التي عززت التعصب، واحتلت بريطانيا العراق وهي دولة حديثة (دولة مواطنة) لكنها كرست التقسيم العرقي والطائفي في العراق والمنطقة، ثم أسست له نظاما ملكيا يعتمد حكم الاقلية المذهبية ولم تستطع الحكومات التالية طيلة 80 سنة ان تغير هذا الواقع وبعد 2003 غزت اميركا العراق وهي (دولة مواطنة) تفتخر بنموذجها لكنها بدل ان تعلم العراقيين كيفية تأسيس دولة مواطنة عززت تسييس المكونات! وبنت التجربة على أساس المحاصصة، لكن سائر الشعب العراقي ومثقفيه وقواه الاجتماعية يريدون ان تسفر هذه التجربة الدستورية الانتخابية عن دولة مواطنة، وهو أمر ممكن حتى لو سجلت هذه التجربة باسم مدرسة فكرية معينة، وهي لا تتعدى ان تكون اسلامية أو لبرالية، وكلتا المدرستين هدفها النهائي تشكيل دولة المواطن أو دولة الانسان، فالمدرسة الاسلامية لا تعطي الانتماء الديني أو العرقي مدلولا سياسيا في نظام الحكم، ونموذج مدينة النبي بمكوناته الدينية والقبلية معروف، فرص بناء دولة المواطن متوفرة سواء كان الاطار الأيديولوجي اسلاميا أو ليبراليا، الخلاصة ان تسييس الانتماء الاجتماعي في العراق والذي يقود الى الفوضى والتقسيم هو ليس نتاج ثقافة اجتماعية ولا نتاج مدرسة فكرية بل نتاج لجنون بعض اجزاء النخبة السياسية واطراف دولية واقليمية تريدها حرب طوائف وقودها الناس والوطن، وهم بعدها يقتسمون حتى رماد الوطن، انها شعوذة التقسيم، أنفلونزا التقسيم، منطقيا لا يمكن للجزء المريض الصغير ان ينتصر على الجزء السليم الكبير، وان طال التحدي، الا اذا كانت اللقاحات فاسدة مستوردة بصفقة فاسدة.
http://www.beladitoday.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق