الأحد، 24 فبراير 2013

في لقاء المالكي .. ماذا رأيت وماذا سمعت..؟


د . نبيل ياسين
التقينا المالكي. كنا وفدا من اللجنة الدولية لدعم الديمقراطية في العراق. في مثل هذه اللقاءات يكون هناك جزء يدخل عادة في باب المجالس بالأمانات ، جزء آخر يدخل في باب المجاملات. لكني سأتعامل مع اللقاء بشكل مهني. فأول انطباع تكوّن عندي ان المالكي واثق من نفسه وهذه صفة مهمة للقائد السياسي وهو يتبوأ المنصب الأول في الدولة. وحين يكون الإنسان في لقاء ما، فان جزءا من العاطفة يتسرب بين الطرفين. وكانت العاطفة ضرورية ليشرح المالكي صدره في خضم الأزمة القائمة في العراق حيث جرى اللقاء في أثناء تصاعد التظاهرات في بعض محافظات العراق. لام بعض فرقائه أو (خصومه) السياسيين، وهو محق بذلك طالما ان ثقافة الشراكة أو التعددية السياسية أو توزيع الصلاحيات والسلطات ما يزال يعد أمرا غريبا في الحياة السياسية العراقية. وفي الطرف الأخر لم تكن غائبة عنا اتهاماته للمالكي بالتفرد في السلطة.
لكن ما هي اختصاصات و وظائف رئيس الوزراء في العراق ؟
ينص الدستور في الباب الثالث الخاص بالسلطات الاتحادية على ما يلي: المادة 47 تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.
«هنا رودس فلتقفز هنا». كما يقول المثل الاغريقي القديم. ورودس جزيرة وهو يشبه المثل العراقي (أبو كروة يبين بالعبرة) فان مبدأ الفصل بين السلطات هو السكين التي تضرب خاصرة العراق الجديد. فقد سمعنا اعتراضات من بعض الاطراف على صلاحيات رئيس الوزراء الدستورية ومنها كونه القائد العام للقوات المسلحة. اذا كان الدستور ينص على ذلك فان مثل هذا الاعتراض معارض للدستور أصلا، هذا الدستور الذي سمعنا من كل الاطراف التي التقيناها ضرورة التأكيد على الالتزام به. قد يكون من المعقول ان يعترض احد الاطراف على عدم دستورية بعض التصرفات ولكن الاعتراض على الصلاحيات الدستورية يعني تصويب سهم في ظهر الدستور.
أولا أود ان أقول ان الفصل الأول الخاص بالسلطة التشريعية من المادة 48 الى المادة 64 لا يذكر أية صلاحية لرئيس مجلس النواب. فهو لا يعدو ان يكون (مديرا) للجلسات، وهو الأمر الشائع في البرلمانات الديمقراطية وليست له أية سلطة إدارية خارج المجلس، خلاف ما يقوم به رئيس مجلس النواب العراقي الذي يتصرف وكأنه مجلس النواب كله وليس مديرا له. وأكثر من ذلك يتحول من ممثل لوحدة البرلمان الى عامل تقسيم ومن ممثل لوحدة الدولة الى داعية لتقسيمها وتجزئتها، ومن ممثل لمصالح المواطنين العراقيين الى جزء من لعبة إقليمية ليس بالضرورة ان تكون قد احترمت الشأن الداخلي العراقي أو مصالح العراقيين. وأكثر من ذلك يجر وراءه عددا كبيرا من البرلمانيين الذين يهرعون الى غرفة المؤتمرات الصحفية الزجاجية ليوزعوا الشتائم والتهم والاستفزازات بشكل ينطبق عليه مفهوم السوق أكثر من ينطبق عليه مفهوم البرلمان. وحين كنت في البرلمان قبل أسبوعين مررت بهذه الغرفة ورن الموبايل فأجبت وإذا الطرف الآخر يسألني : أين؟ في السوق؟ فقلت لماذا: قال لأني اسمع صوت باعة متجولين.لا أقول ذلك فرحا أو أشرا أو بطرا ولكني أقوله بحزن وأسى يشاركني فيه ملايين العراقيين وبضمنهم الذين انتخبوا هذه الأصوات المتجولة.
أصبح واضحا الآن ان البرلمان والحكومة غير مؤهلين حقا لقيادة البلاد. وحتى (ثالثا من المادة 49) الخاصة بشروط المرشح للبرلمان لم تؤخذ بنظر الاعتبار لأنها منوطة بتشريع قانوني مبعثر. فللمرشح البرلمان شروط ومنها شرط القسم المنصوص عليه في الدستور بان يحافظ على استقلال العراق وسيادته ويرعى مصالح شعبه ويسهر على أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي.
فماذا حدث لكي نرى كثيرا ممن أدوا هذا القسم سواء الذين أدوه وبقوا نوابا أو الذين أدوه وأصبحوا وزراء قد حنثوا بهذا اليمين وأصبحوا من الداعين لإسقاط نظامه الديمقراطي الاتحادي وإسقاط دستوره الذي جاد بهم الى هذه المناصب؟ وكم منهم من فرط باستقلال العراق وخرق سيادته ومكن دول جوار لتتدخل بشؤونه ويجعلها وصية على شعبه وأمنه وإنسانه وتنتهك قدسية أرضه وسمائه ومياهه وثرواته..؟
في الدول الديمقراطية لا يكفي البرلمان وحده لقيادة البلاد وكذلك لا تكفي الحكومة وحدها. يحتاج العراق اليوم الى ما عرضناه على المالكي: وجود طبقة مدنية ذات أطر وطنية تحمي النظام الديمقراطي وفترة التحول الثقافي نحو الديمقراطية، وهذه الطبقة موجودة لكنها مقصية في خضم النزاعات الدينية والقبلية التي تعصف بالعراق. فالذين يعيبون على العمائم حكم البلاد لا يتورعون عن السير وراء عمائم الطرف الآخر برغم التحريض الطائفي والتجهيلي. والذين يعيبون على اليشاميغ والكل للمشاركة في صنع السياسة لا يتورعون عن لبس اليشماغ أو الغترة والعكال ليسير الناس وراءهم، فالتجهيل موجود لدى جميع الاطراف.
وفي ظل اعتماد المالكي على الحل الأمني لمواجهة الإرهاب والتحريض، بعد ان تصاعدت التهديدات ودعوات الثأر من العراقيين بتهمة الصفوية وإيران والزحف الى بغداد، فان الفساد المستشري في جسم المؤسسات الأمنية لا يسمح بتحقيق هذا الحل. فمن ابسط الظواهر ظاهرة (الفضائيين) الذين يدفعون نصف رواتبهم لأمراء أفواجهم ليتغيبوا عن العمل لانشغالهم بأعمال حرة. فإذا كان أمراء الأفواج على هذا القدر من الفساد حين يتقاضون 200 الف دينار رشوة لتكريس بطالة مقنعة وغياب عن المسؤولية الأمنية فان مليون دينار ستكون كافية لإمرار أي خرق أمني. هل الوطنية العراقية هي معاداة إيران والتحريض لشن الحرب عليها ودعوة تركيا وقطر والسعودية لتحكم العراق..؟ اذا كنا نحرص على ان لا تتدخل إيران بالشأن العراقي فان ذلك يستدعي حرصنا على ان لا تتدخل تركيا بهذا الشأن. أما ان تكون الوطنية طائفية وعنصرية فهذا آخر تعريف يعطيه البعض ممن انزلق الى مشروع تهديد وحدة العراق واستقراره للوطنية.
الديمقراطية والوطنية في حاجة الى بلد موحد، يقول غرباشوف عن بوتين انه لم يقرأ الديمقراطية لأنه كان في حاجة الى روسيا موحدة. اعتقد ان مهمة الجميع ألان هي وحدة العراق وليس مجالس المحافظات الفاشلة أو البرلمان الفاشل أو الحكومة التي تجتمع على طاولة واحدة ولكنها مثل لوحة مونيه الانطباعية المشهورة (غذاء على العشب) حين ينظر كل شخص باتجاه آخر لا يلتقي مع نظر الآخر.
لا اعرف معنى التهميش حين تختص وزارات الدولة من الثقافة التي تعيد طباعة وتسويق كتب أدباء صدام وعدي الى دوائر الحكومة التي تنهي معاملة تقاعد البعثي خلال أسبوع و(تغلس) على تقاعد المنفي ضحية صدام مرورا بالبرلمان والوزارة والسفارات، ألسنا نحن المهمشين والمقصيين الذين ناضلنا من اجل نظام ديمقراطي فإذا بالفئران تقفز من سفينة نظام صدام الغارقة لتقفز الى سفينة النظام الجديد ؟. ماذا يعني لا تهميش اذا كان (أزلام) النظام، وأنا لا أحب هذه المفردة، يملكون الفضائيات والصحف ودور النشر ومنابر الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وتصول وتجول وتشتم وتخون في ظل نظام تصفه بأنه لا ديمقراطي وفي ظل دستور يحميهم من كل سوء ويريدون إلغاءه.
ما الذي نفعله لكي نحافظ على الخطوط الحمر التي يرفعها بعض المتظاهرين؟ هل الحديث عن إبادة الأكراد اخط احمر؟ هل الحديث عن المقابر الجماعية خط احمر؟ هل الإعدامات التي راح ضحيتها عشرات الآلاف خط احمر؟ هل الحديث عن كذبة نزول الملائكة لتقاتل الى جانب المتظاهرين الذين يريدون الهجوم على الجيش والشرطة خط احمر؟ هل الادعاء بان النبي محمد أمر رجال دين بالزحف الى بغداد حق احمر ؟
هل الحديث عن السعي لتدمير العراق وتحطيم وحدته وهدر استقلاله خط احمر؟ إذن ما هو الخط الأخضر الذي نستطيع الحديث عنه..؟.
يحزنني هذا الكم الهائل من الحقد الذي يكشف عنه عراقيون على صفحات الفيس بوك أو في مقالات ليست مهنية أو في تصريحات غير مسؤولة وغير وطنية. هل لدينا هذا الكم الشنيع من الحقد بعضنا للبعض الآخر؟ ومن أين تولد ؟ انه حقد سياسي ومذهبي وقومي وديني واجتماعي ولكنه أولا وأخيرا حقد ينتج عن الأمية الإنسانية التي يتحلى بها كثير من الناس. لدينا تاريخ مشوه. اقرأ لأشخاص تعليقات وأفكارا فإذا بها بعثية العقل. إنها تنعى الحرية في النظام الجديد وتسخر من ديمقراطيته وتطالب بإسقاط هذا النظام. حسنا. هل كان نظام صدام نظاما ديمقراطيا تحققت فيه الحريات والحقوق.. ؟ هل كان نظاما وطنيا بنى العراق وجنبه ويلات الدمار الناتجة عن حروبه الشخصية وعنجهيته التي تصرف بالعراق من خلالها وزج العراق وشعبه في حرب مع أمريكا ثم فر منها تاركا جيشه وشعبه وبلاده لينجو بنفسه؟ أليس لنا عقل يفكر بذلك أو منطق نحكم فيه على الأحداث ؟
سؤالي الأول هو لماذا اضطر البعثيون المتضررون من صدام والبعثيون الذين كانوا جزءا من ماكنته القمعية ضد الشعب ان يلبسوا ثوب الطائفية ويصرون على أنهم مستهدفون قضائيا لأنهم سنة وليس لان نظامهم أصبح محظورا دستوريا ؟.
http://www.beladitoday.com/?iraq=في-لقاء-المالكي-..-ماذا-رأيت-وماذا-سمعت..؟&aa=news&id22=3032

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق