الاثنين، 11 فبراير 2013

هل صححت السعودية سياستها من العراق ؟


عبد الخالق حسين
منذ أسابيع ونحن نلاحظ توقف الصحافة السعودية بوصف رئيس وزراء العراق السيد نوري المالكي بأنه رجل إيران، بعد سنوات من الحملات الإعلامية الظالمة ضد العراق الجديد. ذكرنا في مناسبات عديدة أن هناك ثلاثة أسباب للموقف السعودي المعادي من العراق الديمقراطي: سياسي، ضد الديمقراطية، وطائفي ضد مشاركة الشيعة في الحكم، واقتصادي، لأن العراق مقدم على زيادة إنتاج وتصدير النفط في حدود 12 مليون برميل يومياً، وهذا ليس في صالح النظام السعودي.
لذلك، وخلال السنوات العشر الماضية كانت السعودية تشن حرباً بلا هوادة على العراق وعلى جميع الصعد، سياسية، حيث امتنعت السعودية وقطر بالمشاركة في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد بمستوى لائق، إضافة إلى تصريحات تحريضية طائفية بالادعاء أن حكومة المالكي فشلت في تحقيق التوازن السياسي بين مكونات الشعب العراقي، ونحن نعرف أن السعودية لا تقبل حتى شهادة الشيعي في المحاكم في بلادها رغم أن الشيعة يشكلون نحو 15% من السكان، ناهيك عن قبول الشيعي في أية وظيفة حكومية. وإعلامية لتشويه سمعة حكومة المالكي، وحملة إرهابية لزعزعة الوضع في العراق عن طريق إرسال الإرهابيين العرب، ودعم عصابات الجريمة المنظمة وفلول البعث، بالمال والسلاح لقتل العراقيين وتدمير ممتلكاتهم، وزعزعة الأمن والاستقرار.
وإنصافاً للحقيقة وللرجل، فقد واجه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، كل هذه الحملات الظالمة بالحكمة وصبر أيوب. ويبدو أن هذه السياسة قد أثمرت، وهاهم صناع القرار السياسي في السعودية وصلوا إلى قناعة أن سياستهم هذه تعود عليهم بالضرر الشنيع، وإن استمروا عليها فهم أول من يدفع ثمنا باهظاً. لقد أدرك صنّاع القرار السعودي أن طموحات أخوان المسلمين لا تقف عند حد، فهم يستخدمون السعودية ودولاً أخرى لأغراض تكتيكية مؤقتة، الغاية منها إسقاط حكومات عربية فاسدة كما حصل في انتفاضات (الربيع العربي)، والتي نجح الأخوان المسلمون في اختطافها وتحويلها إلى (الربيع الإسلامي). وهاهي السعودية نفسها صارت هدفاً لهم، ولا بد من أن يصلها الحريق إذا ما واصلت سياستها الداعمة للإرهاب في العراق وسوريا.
إن الدور القذر الذي تلعبه تركية أردوغان، وقطر حمد وموزة، باللعب بالورقة الطائفية ضد الشيعة، سوف لا يتوقف عند سوريا والعراق، بل ستشمل دول المنطقة كلها دون استثناء بما فيها اللاعبون الكبار وعملائهم الصغار. وهذا ما أدركته أمريكا في الآونة الأخيرة، لذلك جاء تحذير السفير الأمريكي في أنقرة، فرانسيس ريتشاردوني، للحكومة التركية بـ(تسوية الأمور مع بغداد). وهذا التحذير لم يأت من فراغ.
ومن علامات تغير الموقف السعودي من العراق إيجابياً، وبالأخص من رئيس الوزراء العراقي السيد المالكي، قامت صحيفة الشرق الأوسط السعودية بمقابلة مع السيد نوري المالكي إثناء حضوره مؤتمر القمة الإسلامي في القاهرة، ومن طبيعة الأسئلة وسياق الإجابات، نعرف أن هذا اللقاء هو الآخر علامة طيبة في تحسن العلاقة بين البلدين. فهناك معلومات تفيد أن أكبر الدول العربية مستهدفة من قبل تآمر دولي، استخدموا له حزب الأخوان المسلمين والقاعدة وفروعها (جبهة النصرة وغيرها)، أداة للتنفيذ، والدول المستهدفة هي: مصر والسعودية والعراق وسورياً. وما يجري في العراق من تظاهرات واعتصامات في العراق بحجة مطالب الجماهير المشروعة، ما هو إلا خطوة من خطوات عديدة لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي، وهو يشبه إلى حد ما التآمر الدولي الذي تعرض له العراق في شباط 1963 والذي اغتالوا به أشرف حكومة وأنزه قيادة وطنية عرفهما العراق طوال تاريخه. والملاحظ أن المتآمرين في معظم العهود كانوا من المحافظات الغربية "البيضاء" ضد محافظات الوسط والجنوب "السوداء" على حد وصف سيدهم المقبور صدام. نراهم اليوم يستخدمون نفس الوسائل، أي الكذب وكيل الاتهامات الباطلة مثل الادعاء بـ: دكتاتورية رئيس الحكومة، والاعتداء على شرف الماجدات المجاهدات (حسنة ملص في عهد تموز، وصابرين الآن)، الإدعاء بقتل أطفال السنة، وكيل أبشع الشتائم ضد أكبر مكونة في الشعب العراقي دون أي خجل. من نافلة القول أنه لا يمكن الدفاع عن مطالب خيرة مشروعة بالوسائل الباطلة، إذ لا يمكن الدفاع عن الخير بالباطل. فإذا نجحت أساليبهم الشريرة في الماضي، فلا يمكن أن تنجح هذه المرة، لأن عراق اليوم غير عراق ما قبل 2003، إنها قضية حياة وموت، أن يبقى العراق أو يزول، ولا يمكن لهذا الشعب أن يزول.
كذلك لاحظنا تحسن العلاقة بين العراق والسعودية من إجابات السيد نوري المالكي في المقابلة المذكورة عندما سأله مراسل الصحيفة: "وماذا عن العلاقة مع السعودية؟" فأجاب: "لدينا مع السعودية تحسن وتطور في العلاقة، ومنذ البداية كنا نرغب في هذه العلاقة، وأول زيارة لي قمت بها الى السعودية، لأنني أعلم أن العلاقة الطيبة بين البلدين، سوف تنعكس بالقوة على المنطقة والوضع العربي... والآن مازلنا في نية البحث عن أفق لعلاقات قوية مع السعودية، ونسعى لأن يكون هناك تعاون مع الدول نعتقد أنها في ظل التطورات الحديثة مثلت حالة الاعتدال، والسعودية تمثل هذا."
خلاصة القول، إن تصحيح الحكومة السعودية لسياستها من العراق له مردود إيجابي ليس على الشعبين الشقيقين فحسب، بل وعلى جميع دول المنطقة التي هي بأمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار، وبالتالي لتنعم شعوب المنطقة باستثمار ثرواتها الهائلة من أجل الإعمار، والازدهار الاقتصادي والتنمية البشرية بدلاً من تبديها في الحروب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق