الاثنين، 25 فبراير 2013

في لقاء المالكي .. ماذا رأيت وماذا سمعت..؟


د . نبيل ياسين
من الواضح ان الذاكرة العراقية ضعيفة بشكل عام. وان التاريخ ينسى في اغلب الأحيان. ألم تكن هناك جرائم اقترفها نظام صدام ؟ من اعدم عبد الخالق السامرائي ومحمد عايش ومحمد محجوب وغانم عبد الجليل وعدنان الحمداني؟ ومن قتل واغتال فؤاد الركابي وعبد الكريم مصطفى نصرت ورشيد مصلح التكريتي ومدحت الحاج سري وعبد الكريم الشيخلي وشاذل طاقة (خال سعد البزاز) ومرتضى الحديثي ومحمد صبري الحديثي (شقيق ناجي الحديثي) (وهم من القيادات البعثية العليا السنية اذا شاء البعض )؟ من اغتال ناصر الحاني (أول وزير خارجية بعد انقلاب 17 تموز) وحردان التكريتي وعبد الرزاق النايف (من العسكريين البعثيين والقوميين ومن السنة اذا شاء البعض) ومحمد الخضري وستار خضير ومحمود شاكر (من الشيوعيين) والشيخ عبد العزيز البدري (من علماء السنة) ومحمد باقر الصدر ومحمد تقي الخوئي ومهدي الحكيم والشيخ عارف البصري وعبد الصاحب الحكيم (من علماء الشيعة)؟
هل ملاحقة مسببي المجازر الدموية الرهيبة في الأنفال التي راح ضحيتها أكثر من 182 ألفا من السنة الأكراد، ومجزرة حلبجة التي راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف نسمة أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ والعجائز وتدمير أكثر من أربعة آلاف قرية ودار طيلة حكم صدام، وإعدام مائة من أطفال مدرسة كاملة في كردستان
أمام أعين أمهاتهم وأمهاتهن كان عملا وطنيا وقوميا وإنسانيا نفتخر به حتى لا يكون العراقيون صفويين والأكراد شوفينيين؟
من يريد للعراق ان يبقى بلا ذاكرة باسم الوطنية والقومية العربية؟ من يريد ان يعيده الى المجازر والإعدامات وأقبية التعذيب؟ اذا كان هناك تعذيب للمعتقلين في الوقت الحاضر فيجب ان نطالب بوقفه ومحاسبة المسؤولين عنه لا بإلغاء القوانين وقلب نظام الحكم الدستوري؟ وحين سألت السيد المالكي عن هذه الظاهرة قال: ان مسؤول حمايات وزير المالية اعترف حالما صعد سيارة الاعتقال من دون ان يوجه إليه احد أية كلمة. مع هذا ليس هناك مبرر أبدا لقلب نظام الحكم وإلغاء الدستور وإنما هناك حق أكيد بشجب أي تعذيب أو اعتقال تعسفي أو إطالة أمد الاعتقال من دون إنهاء التحقيق
هل قراءة تقرير الدكتور صاحب الحكيم عن اغتصاب وتعذيب واعتقال وإعدام أكثر من 4000 امرأة في العراق في عهد صدام والذي يقع بـ930 صفحة خطاً احمر؟
أين كان الذين يرفعون شواربهم ويهزونها ألان من اولئك (الماجدات) ؟ أم إنهن لم يكن ماجدات لأنهن لم يكن عضوات في اتحاد نساء صدام و وظائفه اللااخلاقية إبان الحرب وأبان الاحتفال بعيد ميلاد القائد؟
من المؤكد إننا يجب ان لا نعيد بأي شكل مثل هذه الاعتقالات ومثل هذا التعذيب. فالقانون هو القانون الذي نطالب به سواء في عهد صدام المنهار أو في العهد الجديد. وحتى نتجنب اعتقال الناس من دون تهمة نطالب بإجراءات قانونية صحيحة ضد الإرهاب وضد القتل وضد الجريمة، سواء الجريمة السياسية أو غيرها من الجرائم. لكن الأمر لا يتوقف في رأي البعض عند هذا الطلب وإنما يتعداه الى عدم اعتبار القتل السياسي جريمة وعدم اعتبار الإرهاب وتفجير الناس جريمة، وعدم اعتبار الاغتصاب جريمة، وعدم اهانة العراقيين واتهامهم بأنهم صفويون وفرس وعملاء وخنازير جريمة، استطيع ان أقول إننا كنا حياديين ونحن نتحدث مع رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وحين ذكرت ضرورة حياديتنا أكد طلبه بان نكون حياديين. وحين أعلمته بان اللجنة الدولية لدعم الديمقراطية في العراق مهمتها هي الحفاظ على الدستور وحض الاطراف جميعا على الالتزام به قال انه يؤيد هذا المسعى وأكد ضرورة احترام الدستور. وحين قلت إننا في حاجة الى تكوين سلطة للرأي العام المدني لإلزام الاطراف بتطبيق الدستور قال انه مع هذه السلطة.
سمعنا من الكرد مثل هذه التأكيدات أيضا. ونقلنا ذلك للسيد رئيس الوزراء. لكن النوايا الحسنة ليست ممكنة التطبيق دائما. فالعراق في حاجة الى ثقة من نوع آخر. ليست الثقة بين السياسيين فمثل هذه الثقة لا توجد حتى في الدول الديمقراطية. فالذي يجبر الاطراف السياسية على الثقة هو الرأي العام، والدستور، والقانون، والطبقة السياسية التي تجد نفسها مجبرة على الثقة بالآخر لا عبر أقواله وإنما عبر التزاماته الدستورية.
ان الصراع ما يزال يجري بين البعث والديمقراطية. بين التضليل وبين الوقائع التي أصبحت ظاهرة للعيان. إليكم بعض الأمثلة دون تصرف:
هل القائد العسكري المحنك يكذب على نفسه وعلى شعبه عندما خسر معركته ضد الفرس المجوس.. ؟ حسب قوله في خرم شهر، حيث طوقت القوات الإيرانية 60 ألف جندي وضابط عراقي مع دباباتهم وعرباتهم وأسلحتهم وقتل منه أكثر من ثلاثين ألف شهيد وأسر منهم 20 ألفا وغرق منهم بالآلاف وانسحبت القوات الباقية، ثم يعلن القائد العربي بأنه انتصر على الفرس المجوس وأنه انسحب من موقع القوة. حتى أن مكفارلن الخبير في الشؤون العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط صرح في صحيفة فراكفورتر ألجماينه قائلا : « لقد أعطينا هذا الرجل كل الخرائط والمعلومات عن تحركات الجيش الإيراني التي التقطناها من طائرات الأواكس التي كانت تنطلق من السعودية، فلم يقم بالرد المناسب، فلهذا فشل وأن صداما ليس عسكريا، لأن القائد العسكري عندما يخسر في معركته بهذا الحجم فإنه ينتحر. هل يريد صدام أن نحارب عنه ؟
لقد أعطيناه كل شيء من الأسلحة والخرائط وغيرها «.
لا أحب شهادات المرتزقة لأنهم (يعترفون) ليس بسبب التعذيب ولكن بسبب الدولارات. هاهي شهادة من كتب كتبا عن (عبقرية صدام) في الثمانينيات فإذا به يروي أخس الوقائع حين كف صدام عن دفع الدولار له ولأمثاله دون ان يعترض بعثي واحد على هدر مليارات الدولارات لنحت أسطورة القائد الضرورة. يقول هذا الشاهد واسمه غسان الإمام وهو صحفي سوري كان مغمورا وقبالا ليكون مرتزقا. يقول في جريدة الشرق الأوسط السعودية وهو يتحدث عن ادوار طارق عزيز (آمل أن أروي ملابسات الصفقة التي تورطت الدبلوماسية العراقية خلالها، في السعي للحصول على ضمانات من إسرائيل شيمعون بيريس وإسحاق شامير، عبر وساطة إدارة ريغان، لعدم قصف أنبوب نفط كان صدام يعتزم مده إلى ميناء العقبة. كانت الصفقة تقضي برشوة زعماء إسرائيل بعشرات ملايين الدولارات. ثم جاءت القيادة السعودية، وبحكمة العاهل الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، فأنقذت العراق من صفقة التورط المهينة. وضع الملك فهد أنبوب النفط السعودي الذي ينقل النفط من الشرق إلى الغرب (ميناء ينبع) في خدمة نقل النفط العراقي وتصديره إلى العالم
أقول إن إدارة بوش الأب تساهلت مع صدام. سكتت عن استعماله الغاز السام ضد إيران ومواطنيه الأكراد. استمرت في السخاء والإغداق على صدام، إلى احتلاله الكويت (1990) حتى بعد إخراجه بإذلال من الكويت، ترك بوش الأب منفذا للقوات العراقية المتقهقرة للعودة. لم يلاحقها إلى بغداد. ظن أن التمرد الكردي والشيعي كفيل بتقويض النظام من الداخل.
كانت التسعينيات شقاء لطارق عزيز. أقصاه صدام عن الخارجية. كان صدام في حاجة إلى وجه أقل تحديا بغطرسته لعرب الجامعة. اختار سعيد الصحاف، فكان تهجمه على العرب أكثر فظاظة. الواقع أن طارق والصحاف وحمادي يمثلون طبقة تضم عشرات ألوف الانتهازيين من رجال البيروقراط والتكنوقراط المتزلفين لسلطة الأمر الواقع في العالم العربي.
عندما فشلت محاولات إسقاط صدام من الداخل، بفضل اختراقه لتنظيمات المعارضة الشيعية والكردية المتعاونة مع أميركا، كان لا بد من التدخل مباشرة بالقوة. انتخبت أميركا رئيسا لا يقل فظاظة وتهورا عن صدام. نفذ بوش الابن المهمة. لا ضرورة للاسترسال، فالتفاصيل معروفة.
ماذا بقي على طارق أن يفعل؟ ظل مواليا في السراء. وظل وفيا في الضراء. وقف منبوذا. مستسلما. متهالكا. متوكئا على عصا أطول بقليل من سيجاره الكوبي، ليشهد لصدام)
لدي بضعة أسئلة: الأول لماذا يصبح فجأة عميلا للموساد أو للأمريكان كل بعثي يتفاهم مع النظام الجديد ويتسلم وظيفة فيه. فكيف كان هذا البعثي عميلا في زمن صدام ولم يكتشفه؟ أو ان النظام البعثي كان يعرف ذلك ويستغله. فأي نظام وطني يتستر على عملاء الموساد فيه؟
وسؤالي الثاني: لماذا ينسى هؤلاء انه لم يكن هناك دستور متفق عليه ومستفتى عليه ديمقراطيا في ظل نظام صدام المنهار فلماذا يرفعون شعار إسقاط الدستور علما ان هذا الدستور ضمن حقوق الجميع وما علينا سوى تفعيله اذا كنا فعلا مواطنين وطنيين نطالب بحقوقنا فضلا عنه انه قابل للتعديل سواء بإلغاء بعض فقراته أو بتعديلها اذا اقتضى الأمر علما ان هذا الدستور لا يشبه أبدا قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل التي لم تكن دستورية وكانت تعبيرا عن إرادة فرد وليس إرادة شعب.
سؤالي الثاني: هو لماذا يرفع العراقيون بشكل عام شعارات ولافتات مثل أبناء سومر وأكد وآشور وبابل وأحفاد علي وعمر والعرب والمسلمين اذا كان الشعب العراقي ثلاث قوميات هي العرب العثمانيين والعرب الصفويين والكرد إضافة الى التركمان والأشوريين والايزيديين وغيرهم؟
خرجنا من لقاء المالكي فإذا بأحد موظفي التشريفات يسلم أعضاء الوفد كيسا أنيقا عليه شعار الجمهورية.. لا تستعجلوا وتظنوا الظنون.. كان الكيس مليئا فعلا وثقيلا. كان يحوي مفكرة أنيقة لعام 2013 هدية من مكتب رئيس الوزراء.
http://www.beladitoday.com/?iraq=في-لقاء-المالكي-..-ماذا-رأيت-وماذا-سمعت..؟&aa=news&id22=3145

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق