الاثنين، 11 مارس 2013

تشا فيز وفقه الزعامة!


يتزامن رحيل تشافيز على هذا النحو الدراماتيكي وهو دون الستين مع تنحي رؤساء وهروب اخرين، ورغم خصومات تشافيز الذي وصف بالراديكالي الا ان خصومه ومن اختلف معهم ودعوه بعبارات مفعمة بالحزن والتقدير.
فلم يكن ما عبر عنه رئيس وزراء بريطانيا ليختلف كثيرا عما عبرت عنه رئيسة البرازيل. فالرجل حاول الانسجام مع نفسه وطروحاته وعمل من اجل الفقراء في فنزويلا. مما ضاعف من خصومه الفاسدين والاثرياء له، وهو الذي قال في خطاب شهير ان الفاسد مكانه الزنزانة لانه يدفع ثمن حرمان الاخرين من الحرية وحق الحياة بكرامة وسلام.
سيرة تشافيز مثيرة بعصاميتها السياسية فقد سجن وخرج من الزنزانة ليصبح بعد فترة وجيزة زعيما لبلاده، فهو سليل البوليفارية ذات التراث العريق في القارة اللاتينية الساخنة وحاول احياء المشروع الاستقلالي لسيمون بوليفار مما اتاح له اجتذاب انصار في القارة. وان كان معلمه باعترافه هو فيدل كاسترو الزعيم الكوبي العنيد الذي اقعدته الشيخوخة عن وداع الصديق الحميم. مثلما ابعدته عن الاضاءة الساطعة، بعد ان كان يقف لساعات تحت الشمس وهو يخاطب الكوبيين ويعدهم بالنصر.
ظاهرة تشافيز قد لا تقبل التكرار في العالم الثالث، فقد انتهى عهد الزعامة بالمفهوم الذي كان سائدا خلال الحرب الباردة وفي اعقاب مرحلة ما سمي تصفية الاستعمار ذلك لان المطلوب الان هو مدراء لتصريف الاعمال. وقادة يحفظون عن ظهر قلب معادلة البقاء من شروط. فالخصم الاكبر لتشافيز كان امريكا ذاتها. التي اصبحت في هذه الاونة تأمر قادة بالتنحي واخرين بمغادرة السلطة واذا كان معلمه فيدل قد تعرض لاكثر من مئتي محاولة اغتيال. فالرجل ايضا تعرض لاغتيالات تتجاوز شخصه الى شعاراته وطروحاته التي حولته الى نجم في العالم الثالث، فقد اطلق اسمه وهو حي على ملاعب وشوارع وفي بيروت ثمة شارع يحمل اسمه. لكن المفارقة هي ما يستوقف البعض حول مواقف تشافيز من قادة في افريقيا واسيا وصفوا بالاستبداد، فهل كان يتخذ تلك المواقف نكاية بالخصم الأكبر أم من أجل ما يربطه من علاقات بهؤلاء؟
الاجابة تتخطى النوايا، لهذا انعكست راديكالية شافيز أو بوليفار الثاني على خصومه واصدقائه، فثمة من أعلنوا الحداد عليه وودعوه بالدموع مقابل آخرين يراهنون على ان فنزويلا بدونه قد تكون أكثر ديمقراطية. رغم ان وريثه الذي أوصى به حياً يصر على اقتفاء خطاه ويرى فيه المعلم والرائد والنموذج.
لكن السياسة ليست دائماً على هذا النحو، فما قاله السادات عشية رحيل عبدالناصر كان أكثر من مجرد الوفاء، فقد قال ان عبدالناصر لم يمت، لكنه بعد ذلك أخذ يفكك كل ما أنجزه السلف، وكافأ أبرز الناصريين بالاعتقال باعتبارهم مراكز قوى تحول دون سيطرته على السلطة وتنفيذ برامجه.
الأمر إذن وثيق الصلة بفقه الزعامة في العالم الثالث الذي زاوجت السياسة فيه بين الباترياركية وثقافة الوصاية وبين الثيوقراطية ومرجعياتها الايديولوجية، لكن الزمن تغير في العقود الثلاثة الأخيرة ولم يعد للزعامة والكاريزمات التي لعبت دور البطولة في الحرب الباردة ما يتيح تكرارها أو تحولها من حالات استثنائية الى ظاهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق