الاثنين، 25 مارس 2013

جناح الشعر والسقف الخفيض


    الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، هو في تقديري صيغة ما ، للفت النظر لضرورة إنسانية ينبغي أن نرفدها ، لتستمر بهية . في هذا المضمار ، أقول فالشعر ليس للبهرجة والصخب المتأنق ؛ بل للإنصات لأن سيد الكلام على معرفة وتقطيع خاص للحياة والوجود. لكن بتأملنا في يوم اليوم العالمي للشعر ، يبدو أن المجتمع المدني ( الثقافي ) هو الذي ينهض بأعباء هذا الاحتفاء الرمزي على الأرض في إطار البحث عن بنية تحتية ملائمة وجمهور منصت.. وتغلب الملاحظة أن الاحتفاء يكون عبارة عن قراءات شعرية ضمن أمسيات غنائية كأن الأمر يدعو في عمقه إلى التراخي والكسل اللذيذ. وهو ما يقلل من شأن الشعر كرسالة وخطاب له خصوصيته. في المقابل ، الأمر يتطلب التدبر في الشعر: في أسئلته المتعددة في الإيصال ، في الإعلام ، في المؤسسة بتلاوينها المختلفة ، في الشعر والشعراء...فحين نكون في طريق هذا المسعى ، ينبغي التربية على الشعر ، وليس على تلقين يسعى لتبرير أدواته وأصوله النظرية . أكيد أن هذه التربية المفتقدة تدفع إلى خلق الإنصات للذات والأشياء المعتملة في الآخر. والشعر باعتباره يجدد الحياة واللغة ، بإمكانه أن يرفدنا دائما بلمسات ، تجعلنا على انفلات دوما ، وعلى تخلق ينبش في الأصول المنسية على أواصر تربط الأشياء في تناغم عميق سار في الإيقاع، في الموسيقى، في الشعر، في حركات داخيلة لتشكيلات وجودية تنضح معنى وروحا.
كما سلف الذكر، فالشعر يعاني من حيف مركب. ورفع عقيرته في هذا اليوم يعني أنه ذاهب في هذا الاتجاه ؛ أي تثبيت القيم الشعرية والتي هي جوهر الإنسان . وعليه فهذه المناسبة والحراك العربي... معطيات تدعو لإعادة النظر فيما نكتب لكي يكون جديرا بالحياة التي تنفض نفسها باستمرار، لتتجدد في الامتداد والحرية. على هذا الغرار، فالقصيدة تحتفي بقصيدتها دوما وهي تنطوي على شيء من الشعر ومن بواطن الإنسان ونزوعه الدائم للتحرر، ولو من إسار الذات المصيرة. لكي تكون بإذن ونظر الشعر.
يغلب ظني أن للشعر زمنه الخاص ؛ ويومه العالمي هو بمثابة جرس . وإذا استطعنا جميعا أفرادا ومؤسسات أن نحوله كذلك ، أي أن نقرب الشعر من الإنسان في أي مكان وفج . قد ساهمنا أولا في ترسيخ حق الشعر لكي يتمتع به أي أحد . وبعد ذلك سيمتد للعلاقات والأخيلة ، ليسيل في الشرايين. إلى ذلك الحين ، فالشعر يدب.. هناك إذن إكراهات وحيف مركب تجاه الشعر؛ يجعل هذا الأخير في الثلاجة. نوظفه تحت السقف الخفيض بمقدار، ووفق الهوى السياسي والتاريخي في التبرير والتعضيد للحقائق والمآزق الآنية والظرفية. لاحظوا كم يعتبر الشعر ملحا وسكرا للكثير من الخطب والإنشاءات الباردة. الشيء الذي يمنحها تلك الضربات المدغدغة للعواطف والمحمسة للنهوض ؛ لكن في سياق آخر. فقديما بإمكان بيت شعري واحد أن يحط أو يرفع من شأن قبيلة أو مقام ..الآن ، تحول التراكم الشعري إلى ركام لا نستظل ولا نستدل به.. مما جعل مسيرة سيد الكلام البلورية في المرحلة الراهنة معرضة للأعطاب من لدن سلاح استهلاكي ( بما فيه الاستهلاك الإيديولوجي ) يفرغ الإنسان من إنسانيته بكامل الفن الشائع والمائع . هذا فضلا عن الجوائز التي امتدت للأدب، وحولته إلى حلبة للأرانب التي استلذت الأمر وخاضت فيه مقابلات ومقابلات لا تفضي لأي أدب. وهو ما أدى إلى سوء فهم امتد بين الشاعر وقصيدته . فأصبحنا نتحدث عن الشاعر الأوحد والأكبر الذي يهندس المشهد الشعري ويطلق فتواه أيضا، لمنح الشرعية الشعرية.
الشعر أكبر من أي أحد، ومن أي تسطير أو ترميز . وكلنا نسعى إليه بما استطعنا إلى ذلك....خارج أي ملء أو ترصيف حول المنابر الورقية إلى مساكن " مكتراة " تفتح أبوابها وربما سيقانها لضيوف مكتظين بالتناقضات الفجة إلى حد المسخ. وامتد ذلك للتقنية الإلكترونية التي تتمرغ في وحل السرعة والضحالة بأسمائها المختلفة . لكن لا يمكن التنكر للجميل والأصيل طبعا . ففي عالم هذه الوسائط ، وضمن المجال الأدبي ، ظهرت مواقع ثقافية ضمن الشبكة الإلكترونية، تمتص الإبداعات على اختلاف أشكالها من شعر وقصة ورواية .. وهو ما ساهم حقا في توفير مساحة حرة دون رقيب ولو أدبيا أحيانا. فأصبح الأدب منسابا كبحيرة في جزيرة ما ، ضمن واقع يحاصر المساحات الثقافية ويطاردها نظرا للأعطاب الكثيرة المعروفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق