الثلاثاء، 12 مارس 2013

الجيل الرابع من الحروب العالمية


تعمد مراكز الدراسات السياسية وكليات الحرب والقيادات العسكرية وأرباب التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة الامريكية والدول الكبرى وبعض الدول القوية ذات الطموح المستقبلي بالتوسع الاقليمي، التي تسعى لتعظيم تأثيرها في مختلف الساحات والقارات والمحافظة على مصالحها الكبرى، والحيلولة دون نشوء قوى منافسة على مستوى العالم، إلى السعي نحو تطوير سياستها و وسائلها وأدواتها في التدخل في شؤون الدول المختلفة، من أجل الوصول إلى الجيل الرابع من الحروب العالمية، الذي يشكل قفزة كبيرة في عالم الصراع والتنافس وفي عالم السيطرة والتأثير الجديد.
الجيل الجديد من الحروب المستحدثة يعتمد ابتداءً على تقرير معنى الحرب، فالحرب في النهاية هي: "إرغام العدو على تنفيذ ارادتك" وبكلمة مختصرة الحرب تعني الإكراه، والإكراه يقوم على مصادرة إرادة الخصم، بغض الطرف عن الوسائل والأساليب والأدوات المستخدمة في الوصول الى هذه النتيجة، ولذلك يمكن الوصول إليها دون حاجة الى استخدام جيوش وأسلحة وقوات الطاغية، وإنما يمكن الوصول إليها بطرق غير دموية ودون اللجوء إلى استخدام النيران.
السلاح الرئيسي في هذا الجيل الجديد من الحروب هو القدرات العقلية، والقدرات الذكية، وليس القدرات المادية، المتمثلة بالدبابات والطائرات والأسلحة الفتاكة، وهذا السلاح أقوى أثراً وأوسع مدى وأكثر فعالية.
الأُسلوب المعتمد في المواجهة الجديدة يقوم على مبدأ خلق "الدولة الفاشلة"، فهذا المصطلح يمثل كلمة السر الحقيقية في هذه الحرب، والوصول الى الدولة الفاشلة يحتاج الى خطة وبرنامج، يعتمد على التعريف الجديد لمعنى "السيادة". فالسيادة هي قدرة الدولة على التحكم الكامل والشامل بإقليمها، بمعنى آخر إذا تمت زعزعة استقرار الدولة عن طريق انتقاص سيادتها على جزء من إقليمها فهذه هي الخطوة الاولى نحو تحقيق الهدف بإيجاد الدولة الفاشلة، حيث يمكن أن تكون هناك مجموعات خارجة عن سيطرة الدولة تحكم قبضتها على مقاليد الامور في بعض اجزائها وعلى بعض جمهورها.
زعزعة الاستقرار له عدة أشكال ويمكن الوصول إليه بعدة طرق منها أن تصبح دولة شعوبية، حيث يمكن استغلال الاختلافات الدينية والمذهبية، والاختلاف في العرق والأصول والمنابت، من أجل اشعال جذوة التعصب، ويكمن الوصول إلى الهدف نفسه بتحويل الدولة إلى مسرح للجريمة، حيث تكون العصابات والمجاميع المتمردة قادرة على الإخلال بالأمن، وتقويض السلطة المركزية.
تحويل الدولة إلى دولة فاشلة، لا يحتاج إلى نقل قوات نظامية ولا يحتاج إلى تحريك جيوش وقطع عسكرية، ولكن يمكن استخدام مواطني الدولة نفسها، ويشترك في هذا المدنيون والرجال والنساء والأطفال، ويمكن الاعتماد في هذه الحرب على ما يسمى: "الطابور الخامس".
عندما تصبح الدولة فاشلة، تكون مهيأة للتدخل بكل أشكاله ودرجاته، بل تكون الدولة مهيأة لما هو أكثر من التدخل، لأن الهدف المرتكز على شل إرادة الخصم وجعلها غير قادرة على الاستقلال وغير قادرة على اتخاذ القرار الوطني، يجعلها عرضة للارتهان والتدخل والإملاء.
عندما يكون المجتمع منقسماً، وتشتعل فيه الخصومة السياسية حتى تصل إلى درجة العمل على اسقاط الدولة وإفشالها، يكون الجيل الرابع من الحروب العالمية ناجحاً، لأن أدواته جاهزة ومستعدة للعمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق