الأربعاء، 27 مارس 2013

بغداد مدينة الثقافة والحب


يهزني الحنينُ هزَّ الريح للقصب، ويأخذني همهمة نسيم إلى بغداد، هائماً على وجدي، أطالع صوراً ما زالت ساخنة، وكأنها قُطفت للتو من عين الكاميرات، وكأني ذلك الولد الذي جاءها مدججاً بالعنفوان، قبل أزيد من عشرين سنة، وقلبه ينبض برؤوس أصابعه كعاشق عنيد. يومها كانت الحرب تتحمحم من كل جهات الأرض، وكنت مجنوناً بحبها، ولم أزل.
يهزني الشوق لمدينة تعود لزمن الملك حمورابي (في القرن الثامن عشر قبل الميلاد) لما كانت تدعى (بجدادا)، ثم مرت فيها الحضارات، ليعيد بناءها أبو جعفر المنصور (قبل ما يقرب 1250 سنة)، ولتكن مدينته المدورة، أو الزوراء، أو بغداد، فتصبح حاضرة الدنيا، ومحج العلماء، وأفئدة الشعراء.
تقول الأسطورة، إن طائر الفينيق (الذي يعيش 500سنة) حين يقترب من نهايته يجثم في عشه، ويغرد محترقاًً، ثم تخرج من رماده الساخن يرقة صغيرة، سرعان ما تتحول إلى طائر فينيق، يمتشق السماء، والحياة، وأعذب التغريد والنغم.
بغداد لم تحترق، حتى وإن ابتليت بنار طوقتها منذ عقود، فقدر المدن العظيمة أن تبتلى بالمحن ومصائب الحروب، دون أن تخبو همتها، أو يفتر نزقها، بل تبقى على قيد التغريد، يتوارثها فينيق عن فينيق.
ولهذا نشعر بأن مدينتنا الزوراء، حتى حينما كانت تعيش كامل ألمها ومصابها، بأنها ستتعافى، وستسترد روحها الناصعة الجمال، وأن نسغ الحياة سيدبُّ في أخضر عودها، ودجلة الخير سيسترجع عذوبته، وأن دم العراق، سيكتب قصيدة عشق تقرأ لعين الشمس صبح مساء: عيناكِ غابتا نخيل ساعة السحر.
بغداد هذا العام عاصمة الثقافة العربية، وهذا أقل ما يليق بها، ولن نعود لعصر الأمين أو المأمون، كي نعي زخم الحركة الثقافة ونستشف نباهة الشعر، وأولى الترجمات، بل سأتذكر أمامي العابقة برائحة الكتب في شارع المتنبي، ولقاءاتنا الباهية بالعلم ونسغ الشعر، وأتذكر مهرجان المربد، والشعراء المحلقين، ومسارح الأعظمية العامرة، ودور السينما، وبيت الفن، ومقهى أم كلثوم في أول شارع الرشيد إذ يتحول في المساءات إلى فضاء مفتوح على شتى الفنون.
ستقولون بغداد مدينة للحرب، وأنا سأسقط حرف الراء، فهي مدينة الحب، يهزنا إليها الشوق، فكلَّ من ذاق دجلة إليها سيعود، هكذا قالت سُنة الأيام. ولكن العرب قصروا معها في محنتها، وتركوها لتتقاذفها المحن.
أتمنى أن نعود لبغداد، ونساندها، فعما قليل ستستعيد عافيتها وألقها ومجدها، فالشعوب الحية لا تأبه بالكبوات والعثرات، بل تنهض لمواصلة الطريق، مهما كان وعراً شائكاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق