السبت، 27 أبريل 2013

إشكالية الحكم والمعارضة في الدول العربية


بنية المجتمع العربي السياسية وديناميته في العالم المعاصر تختلف اختلافاً جوهرياً عن معظم البنى السياسية وديناميتها في المجتمعات الديمقراطية العالمية. ففي حين يوجد في الأخيرة شريحتان رئيسيتان فاعلتان، يوجد في الأولى ثلاث شرائح: اثنتان فاعلتان وواحدة مُحيّدة. في الديمقراطيات المستقرة، هنالك حزب أو أحزاب حاكمة لها قواعد شعبية عريضة، وحزب أو أحزاب مُعارِضة لها أيضاً قواعد شعبية واسعة. عموم الشعب في تلك الديمقراطيات يكون منقسماً بين موالٍ للحكومة وموالٍ للمعارضة. وتتناوب الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارَضة على الحكم حسب نتائج صناديق الاقتراع. وتتوّلد نتيجة لذلك طاقة ديالكتيكية تدفع بالمجتمع نحو التقدم. في حال المجتمع العربي، هنالك حكومات تَحكم ليس لها قواعد شعبية عريضة ومعارضة تُعارِض ليس لها قواعد شعبية واسعة، وهنالك قاعدة شعبية واسعة مهمّشة مهملة لا يكاد يمثّلها أحد. في الغالب الأعمّ لا يوجد تداول للسلطة. من هنا فإن الطاقة التي تتولد هي طاقة كامنة ساكنة. وفي الحالات التي يتم فيها تداول السلطة، نتيجة لانقلاب عسكري أو ثورة مسلحة أو انتفاضة غاضبة غير منظّمة، تكون الحركة دائرية مثل حركة الزوبعة لا تدفع باتجاه التقدم.
الصراع في الديمقراطيات المعروفة بين الحكومات ومعارِضيها هو على الأفكار والبرامج – الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية – التي تصبّ في مصلحة الشعب وفي تطور المجتمع. أما الصراع عندنا فهو على تداول السلطة بهدف تحقيق صفقات تصبّ في صالح النخب السياسية وليس عموم الشعب.
الفروقات بين الحكومات والمعارضة عندهم هي فروقات جوهريّة لأنها تنبثق من الفروقات الأيديولوجية بين الأحزاب والتي تتّخذ مواقف ثابتة مُتباينة من القضايا بناءً على مواقفها الأيديولوجية ورؤاها المدروسة وخطط عملها وبرامجها. أما عندنا فالفروقات شكلية، تماماً كالفروقات بين الأحزاب نفسها والتي هي في الغالب الأعم سطحية على مستوى القشرة، تخلو جُعَبُها من الأيديولوجيات الصلبة والرؤى الثاقبة والخطط والبرامج المحددة. شعارات وعواطف وانفعالات وخطب عصماء، حَدِّث ولا حرج .
وفي الحالات القليلة التي تكون المعارضة تختلف في منطلقاتها الأيديولوجية عن الفئة الحاكمة، تتقمّص المعارضة وتُماهي الفئة الحاكمة في كل ما تفعل عندما تصل إلى الحكم. فتكون إقصائيّة مُهيمنة على السلطة مثلها، نُخبويّة، فئويّة، جهويّة، عشوائية في إدارتها للأمور، مترهّلة، غير محترفة. لا بل إن الفئة الحاكمة قد تكون – بالمقارنة – أكثر تنظيماً واحترافاً بسبب سنوات الخبرة.
وهذا ما يحصل الآن في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها، والتي أخذت الشعوب فيها تترحّم على أيام الاستبداد والشموليّة والتفرّد بالسلطة وتلعن "الربيع" وأحداثه. لخّص الوضع لي سائق من مصر أوصلني إلى المطار قبل أيام، كما لم يلخّصه علماء السياسة والاجتماع والاقتصاد عندنا، قائلاً بعاميّته البسيطة وبعفويه، "بُصّ يا دُكْتُر، أهمّ شيء بالنسبة إلنا هو الاستقرار. بدون الاستقرار مَفيش أكل عيش " .
الفئة الحاكمة والمعارَضة، على نحو عام، وجهان لعملة واحدة. أين الفرق؟ تحدّثنا عن التّفرد بالسلطة وعن الإقصاء وعن خدمة مصالح النُّخب. لكن أيضاً نفس الفلسفة والأسلوب، مع فارق الخبرة، في التعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد واستجداء القروض من الدول الأجنبية والشقيقة، وعدم إدخال إجراء أي تعديلات تُذكر تُعزّز النهج الديمقراطي.
عندما كتب المفكر الأمريكي واشنطن إيرفنج حول الثورة الأمريكية – وشتّان ما بين ثورات الربيع العربي والثورة الأمريكية – قال منتقداً ساخراً "بدّلنا جورج بجورج"، يقصد الاسم الأول المشترك بين ملك بريطانيا الذي كان حاكماً لأمريكا في حينه وأول رئيس لأمريكا بعد الثورة .
قبل سنوات، كانت قوى المعارضة في العالم العربي تشنّ حرباً شعواء على زعماء العرب قاطبة متّهمة إياهم بأنهم يستمدّون شرعية حكمهم وحكوماتهم من الدول الغربية الاستعمارية ومن تواطئهم مع إسرائيل وحمايتهم لها. ماذا نرى اليوم وقد تسلّمت المعارضة الحكم في عدة دول عربية أو تعمل جاهدة أو تتحفز لتسلّمه في دول أخرى؟ لقد ألقت بنفسها بالكامل في أحضان الدول الاستعمارية وخنادقها، حرفياً لا مجازياً وعلنا أمام الملأ ودون تردد أو خجل، وهي تتواطأ مع إسرائيل وتحميها كما لم تتواطأ معها أو تحميها أنظمة عربية من قبل.
عملياً، "بدلنا جورج بجورج"، مع أن جورج السابق أفضل نسبياً من اللاحق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق