الأحد، 19 مايو 2013

أصدقاء سوريا الألدّاء


ينتظر أنْ يلتقي، في عمَّان، هذا الأسبوع، ممثِّلو المجموعة الدوليَّة التي تسمِّي نفسها "أصدقاء سوريَّة". ويذكّرني هذا الاسم دائماً بالعادة العربيَّة القديمة في تسمية الأشياء بعكس مسمَّياتها الحقيقيَّة؛ حيث العين العوراء، على سبيل المثال، كريمة، والملدوغ سليماً.. الخ؛ فإذا ما نظرنا إلى الصفّ الأوَّل من الجالسين في قاعة الاجتماع، سنرى، أوَّلاً، جون كيري وزير خارجيَّة أميركا الذي احتلَّتْ بلاده أفغانستان والعراق، وكانت (ولا تزال) الداعم الأكبر لـ"إسرائيل"، وطالما شجَّعتْ هذه الأخيرة على الاعتداء على البلاد العربيَّة، وبرَّرت ظلمها للشعب الفلسطينيّ وبطشها به ومصادرتها لحقوقه. وهذا، في الواقع، لا يمثِّل شيئاً ذا بال مِنْ جمائل الولايات المتَّحدة الكثيرة علينا التي تؤهِّلها لأنْ تكون صديقة لسوريَّة ولكلّ الشعوب والبلدان العربيَّة.
ثمَّ سنرى،إلى جانب كيري، وزير خارجيَّة فرنسا، لوران فابيوس، الذي تفضَّلتْ بلاده في مطالع القرن الماضي باحتلال سوريَّة، و وقف مندوبها السامي، آنذاك، الجنرال غورو، عند قبر صلاح الدين الأيّوبيّ، في دمشق، وقال قولته الشهيرة: "ها قد عدنا يا صلاح الدين!". اُضطُرَّتْ فرنسا، بعد عقود من التنكيل بالشعب السوريّ ومحاولة تقسيم بلاده، وتفتيته إلى طوائف ومذاهب، للرحيل عن سوريَّة، تحت ضغط الكفاح الباسل للشعب السوريّ، وتحت ضغط الظروف الدوليَّة التي استجدَّتْ بعد الحرب العالميَّة الثانية وأبرزت قطباً دوليّاً كبيراً معادياً للاستعمار والإمبرياليَّة ونصيراً مبدئيّاً للشعوب التوَّاقة للاستقلال والتحرّر، هو (للذين لا يسعفهم ضعف ذاكرتهم على تذكّره) الاتّحاد السوفييتيّ. ومِنْ يوم ذاك، وفرنسا(صاحبة سايكس بيكو بالشراكة مع بريطانيا) تحلم بأنْ يأتي أحد جنرالاتها (حتَّى لو بلباس مدنيّ)، إلى سوريَّة، ذات يوم. وليست مصادفةً أنَّ قسماً غير قليل ممَّن وُضِعوا في واجهة ما يُسمَّى "الثورة السوريَّة" محسوب على فرنسا (وبعضه يحمل الجنسيَّة الفرنسيَّة)، وأنْ يكون علم هذه "الثورة" المزعومة هو العلم الذي فرضه الانتداب الفرنسيّ على سوريَّة. لا نريد أنْ نتوسَّع أكثر في الحديث عن جمائل فرنسا "الصديقة" في الجزائر وتونس، أو مساعدتها الحاسمة لـ"إسرائيل" لتتحوَّل إلى دولة نوويَّة، أو مشاركتها في العدوان الثلاثيّ على مصر، وسوى ذلك الكثير الكثير.
إلى جانب فابيوس، يجلس زميله البريطانيّ وليم هيغ. هل أصبحنا في حاجة لتعداد مظاهر صداقة بريطانيا "العظمى" لنا، ابتداء مِنْ مشاركتها مع فرنسا في جريمة تفتيت سوريَّة الكبرى عن طريق "سايكس بيكو"، ثمَّ إعلانها وعد بلفور الذي تكرَّمتْ بموجبه بتقديم فلسطين على طبق مِنْ فضَّة للحركة الصهيونيَّة، وبعد ذلك،رعايتها الحادبة لتأسيس المشروع الصهيونيّ الاستيطانيّ في فلسطين، ثمَّ توفيرها الدعم الثابت والسخيّ له منذ ذاك؛ ولا ننسى، كذلك، مشاركتها في العدوان الثلاثيّ على مصر.
وإلى جانب هؤلاء، يجلس وزير خارجيَّة تركيّا، داوود أوغلو، ممثَّل أحد أبشع أنواع الاستعمار في التاريخ، وهو الاستعمار العثمانيّ، الذي أدخل الأمّة العربيَّة (وكلّ أمّه وقعت تحت نيره) عصر انحطاطٍ طويل لم تتخلَّص مِنْ آثاره السلبيَّة بعد. يحلم أوغلو ورئيسه أردوغان بإعادة عجلة التاريخ، بين بلادهما والبلاد العربيَّة، قرناً كاملاً، على الأقلّ، إلى الوراء؛ وهذه المرَّة تحت راية حلف الأطلسيّ التي ترفرف في بلادهما منذ مدّةٍ طويلة.
لا يتَّسع المجال، هنا،للحديث عن بقيَّة أعضاء هذا المحفل الحافل بالاستعماريّين العريقين مِنْ ذوي الأنياب المسنونة وأتباعهم؛ لكنَّنا، مع ذلك، لا نستطيع أنْ نقفز عن حقيقة أنَّ الصور التي تُلتقط عادةً للمشاركين في هذه الاجتماعات كانت دائماً تبدو ناقصة؛ لأنَّ وزير الخارجيَّة "الإسرائيليّ" لا يجلس في مقاعد الصفّ الأوَّل منها.. مع أنَّ طيفه يلوح دائماً بقوّة في خلفيَّتها.
مع مثل هذا النوع من الأصدقاء المزعومين، يصعب على المرء إيجاد تعريف دقيق للأعداء الحقيقيّين. لكنّ ما هو أصعب مِنْ ذلك هو معرفة مصلحة الأردن في انعقاد مثل هذا الاجتماع المريب على أرضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق