السبت، 25 مايو 2013

ردة فعل أسوأ من الفعل نفسه


حسناً فعلت وزارة الخارجية العراقية إذ سارعت للاعتذار بشأن احداث السفارة واستدعاء السفير لتقديم إفادته في اجتماع خاص لمجلس الوزراء، وتشكيل لجنة تحقيق في الحادث، والتزام بسحب الدبلوماسيين والحراس المسيئين لكرامة الأردنيين وسيادة الأردن..تلك الإجراءات خففت -بلا شك- من مظاهر الاحتقان الشعبي والحرج الرسمي سواء بسواء.
لكن ردّات فعل بعض الأردنيين على الواقعة، جاءت أسوأ بكثير من الفعل نفسه، ومن تتبع بعض ما قيل تحت القبة وعلى صفحات الإنترنت وفي الشارع، لاحظ كم هي مشبعة بـ”العنصرية” و”المذهبية” بعض المواقف والصرخات والصيحات..وزاد الطين بلّة، حوادث التعرض والاعتداء التي قام بها نفرٌ من بيننا ضد إخوة وأشقاء من العراق الشقيق، يقيمون ما بين ظهرانينا.
فجأة - دون سابق إنذار- بدا أننا أمام “صراع سنّي – شيعي”، مع أننا بلد لم يعرف الانقسامات المذهبية من قبل، ولا أدري من أين جاء هؤلاء بكل هذه “العصبوية” الكريهة، ولمصلحة من، يراد لمجتمعنا الأكثر تجانساً، أن يعيش بعض فصول الانقسام المذهبي الذي يشق المنطقة بأسرها إلى شطرين محتربين.
وفجأة، تقفز “العنصرية” الكريهة إلى سطح خطابنا “الشعبوي”، وثمة عبارات يجد المرء حرجاً في استرجاعها، قيلت في وصف إخوة وأشقاء، ربطتنا بهم وربطتهم بنا وشائج قربى وجوار، وصفحات لا تنتهي من التعاون والتزاور والتثاقف والتبادل.. فجأة تنهال الشتائم على هؤلاء دون تمييز، لكأن الشعب العراقي -وليس حفنة من الأفراد- هو من قارف الاعتداء البشع في المركز الثقافي الملكي.
وأخطر ما في ردّات أفعالنا على الفعلة النكراء، ميل كثيرين منّا للتفلت من القانون، وانجرافهم لـ”أخذ” حقوق المعتدى عليهم بأيديهم..لكأنه لا وجود للدولة والأجهزة وسيادة القانون..أو لكأننا أمام واحدة من “المشاجرات العشائرية” التي ألفها مجتمعنا في السنوات الأخيرة، بعد أن انتشرت على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، وباتت تهدد هيبة الدولة وسيادة القانون.
قبل أيام، اعتدى بريطاني من أصل نيجيري على جندي بريطاني بـ”الساطور” مودياً بحياته أمام المارة وفي وضح النهار، متبجحاً أمام الكاميرات بمسؤوليته عن فعلته، شارحاً دوافعه لاقترافها.. ما أثار ردات فعل شعبية، وصف بعضها بالعنصرية ضد المسلمين، تعمل الحكومة وأوساط حقوقية ونشطاء على احتواء آثارها وتداعياتها الخطرة.
لا أدري ما الذي كانت ستكون عليه ردّات أفعالنا لو أن شيئاً مماثلاً يحدث في بلادنا.. نلوم الغرب على عنصريته، ونحن نتكشف عن قدر أعلى من العنصرية وأقل من التسامح، حتى مع أبناء جلدتنا وديننا ولغتنا وثقافتنا وقوميتنا.
وأغرب ما تسمعه من تعليقات نخبوية على ما يمر في بيئتنا الاجتماعية والثقافية من تحوّلات سلبية وظواهر مرضية، أن ذلك “غريب” عنّا و”دخيل” على تقاليدنا وثقافتنا وأعرافنا..العنف المجتمعي غريب علينا، والمشاجرات الجامعية غريبة علينا، والعنصريات القبلية والجهوية غريبة، والعنصرية ضد أشقاء وإخوة من الجوار، غريبة علينا..كل هذا غريب علينا، فمن أين أتانا إذن؟..لا أحد يجيب، فهل هو غريب حقاً، أم أنه كامن تحت السطح؟..هل نشأت هذه الظواهر فجأة، أم أننا لم نتمكن من رؤيتها إلا بعد أن تفاقمت وباتت تشكل مظهراً يومياً من مظاهر حياتنا ؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق