الأربعاء، 1 مايو 2013

سوريا .. خلط متعمد


ما يزال البعض يحاول خلط الأوراق عامداً متعمّداً فيتحدَّث عن المعارضة السوريَّة بعموميَّتها؛ أي مِنْ دون تحديد أو توضيح، ما الجناح الذي يقصده منها، ومِنْ دون تمييز السوريّ منها من القادم من الخارج؛ بحيث تصبح المعارضة الوطنيَّة الديمقراطيَّة المسؤولة والسلميَّة التي تطالب بحياة ديمقراطيَّة حقيقيَّة مثلها مثل المعارضة المذهبيَّة الظلاميَّة التدميريَّة التي تريد أنْ تحوِّل سوريَّة إلى دولة ثيوقراطيَّة متخلِّفة، تتَّبع التعاليم الوهَّابيَّة، وضعيفة بالنتيجة، وتابعة، ومنقسمة؛ بما يخدم أهداف "إسرائيل" وحلف الأطلسيّ وخططهم الاستعماريَّة.
التغيير الديمقراطيّ الحقيقيّ الذي تنشده الشعوب العربيَّة، ليس تغيير وجوه الحُكّام وأسمائهم، فقط، مع الإبقاء على سياساتهم؛ بل هو ذاك الذي يقود إلى التحرّر الوطنيّ والعدالة الاجتماعيَّة والديمقراطيَّة الشعبيَّة والتنمية المتمحورة على الاحتياجات الوطنيَّة. وهو ما لا يمكن الوصول إليه عن طريق وضع أيدي المعارضين المزعومين بأيدي الدوائر الإمبرياليَّة وتوابعها من الأنظمة العربيَّة التي يحكم بعضُها شعوبه بأساليب العصور الوسطى؛ بل بالضدّ مِنْ هؤلاء جميعاً وفي مواجهتهم وعلى أشلاء مطامعهم وسياساتهم.
ذلك لأنَّ واقع الاستبداد والظلم والاستغلال والقهر الموجود في البلاد العربيَّة (وفي العديد مِنْ بلدان العالم الأخرى) هو في معظمه مِنْ صنع النظام الدوليّ الجائر الذي تقوده العواصم الإمبرياليَّة، وهو موظَّف لخدمة مصالحها، كما أنَّها هي الحامي الأوَّل والدائم له. ولن يقدِّم الإمبرياليّون وأتباعهم لبلداننا، عند الاستعانة بهم، سوى المزيد من القهر والاستغلال والظلم والعبوديَّة. لأنَّهم لو فعلوا خلاف ذلك، لخسروا نفوذهم الدوليّ ولفرَّطوا بمصالحهم اللصوصيَّة الأنانيَّة.
ويجدر بنا، هنا، أنْ نتَّعظ بتجربة أمريكا اللاتينيَّة التي تمكَّنتْ خلال العقدين الأخيرين مِنْ السير على طريق تحرّرها وتقدّمها وتحوّلها الديمقراطيّ ووحدتها؛ فلم يتمكَّن أيّ بلد هناك من إنجاز أهدافه الوطنيَّة (ومِنْ ضمنها الديمقراطيَّة) عن طريق التعاون مع الإمبرياليَّة أو التبعيَّة لها؛ بل فقط بمواجهتها ومقاومتها والانفكاك مِنْ تبعيَّتها. وفي النهاية، أتاح غرق الإمبرياليَّة الأمريكيَّة في أوحال مساعيها لبسط هيمنتها الاستعماريَّة على العراق وأفغانستان وتكبّدها خسائر فادحة في الحرب على ذينك البلدين - أتاح ذلك لشعوب أمريكا اللاتينيَّة أنْ تتنفّس الصعداء وتمسك زمام أمورها وتمارس خياراتها الوطنيَّة بحريَّة.
وعلينا أنْ نتذكَّر، هنا، أنَّ الإمبرياليَّة الأمريكيَّة هي التي خلعتْ بالقوَّة، نظام الرئيس الاشتراكيّ المنتخب سلفادور اللندي عام 1973، بواسطة عملائها من العسكر التشيليّ، وعلى رأسهم الجنرال الفاشي أوغستينو بينوشيت. وقتلتْ، بعد ذلك، ونفتْ وسجنت (هي وعملاؤها) مئات الآلاف من البشر في التشيلي، طوال عقدي السبعينيّات والثمانينيّات. كما قتلت، أيضاً، أضعاف أولئك، في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينيَّة، ضمن عمليَّة كونديرا الإجراميَّة الشهيرة. وآخر ضحاياها، هناك، كان رئيس هاييتي المنتخب، الذي أُطيح به في عمليَّة عسكريَّة أمريكيَّة فرنسيَّة قبل سنوات قليلة. وقبل ذلك بعقود، كانت الدوائر الإمبرياليَّة قد تآمرتْ على رئيس الوزراء الإيرانيّ المنتخب محمَّد مصدّق، لا لشيء إلا لأنَّه عمل مِنْ أجل استقلال بلاده وسيطرتها على ثرواتها (خصوصاً ثروتها النفطيَّة). ولا ننسى أيضاً المصير المأساويّ الذي واجهته حكومة رئيس الوزراء الأردنيّ الراحل سليمان النابلسيّ، وهي الحكومة الأردنيَّة الوحيدة، حتَّى الآن، التي انبثقتْ مِنْ أغلبيَّة نيابيَّة منتخبة انتخاباً نزيهاً. ويمكن للمهتمّ التعرّف على ملامح التآمر الأمريكيّ البريطانيّ على تلك الحكومة في كتاب "الأردن على الحافَّة" للسفير البريطانيّ في الأردن خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 1956 و1960، السير تشارلز جونستون.
وهكذا، يمكن الجزم، مِن دون تردّد، أنَّه لم يسبق أبداً أنْ تمَّ بناء دولة ديمقراطيَّة مستقلّة حرّة وناهضة عن طريق التعاون مع قوى الاستعمار والإمبرياليَّة وحلفائها وتوابعها. ومَنْ يعتقد خلاف ذلك، فهو إمَّا غِرّ في السياسة وجاهل لحقائق التاريخ، أو أنَّه متواطئ، ضدَّ شعبه وبلاده، عن سابق إصرارٍ وتقصّد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق