تقوم الدراسات العليا على التخصص الدقيق في ميادين العلوم المختلفة، ولذلك يطلب من الباحثين التقيد الشديد بموضوعاتهم المحددة مع حق الاقتراح لموضوعات اخرى اذا اقتضت الضرورة.
وتبعا لذلك يتم اعداد الباحث اكاديميا في تخصصه (ماجستير ودكتوراه) على هذا الاساس بعد اجراء جولة اطلاع شاملة تهدف الى تثقيف الباحثين واحاطتهم علما بنواحي دراساتهم العلمية.
وهناك مواد وعلوم لا غنى عنها لطلبة الدراسات العليا في اجراء بحوثهم بطريقة علمية صحيحة تبنى عليها النتائج والتوصيات في نهاية المطاف..لذا فهي لم توضع اعتباطا لمجرد اسقاط الفرض او تحقيق النصاب العلمي لسنة الدراسة.
من هذه المواد (الاحصاء) فبدونه تغدو البحوث عشوائية وتفقد ميزة الواقعية وبالتالي تضيع الجهود المبذولة فيها هباءً.
الكليات تستعين باساتذة اكفاء (غالبا ما يكونون من خارج الملاك اذا اسثنينا الكليات المتخصصة) ليتولوا تدريس مادة الاحصاء وتيسير مهمة استعماله من قبل الطالب بشكل صحيح يحقق الفائدة.
لكن وهذه الحالة كثيرة الحدوث فان بعض هؤلاء الاساتذة يعملون على اثبات الذات الشخصية اكثر من الغاية المنتظرة منهم، وليس هناك طريق اسهل من التعقيد، ليتحول الاحصاء من مادة مساعدة مهمة الى كابوس يشغل الباحث عن هدفه الرئيس.
مثلا: ليس مطلوبا من طالب دكتوراه في كلية انسانية كالاعلام ان يدرس تكوين برنامج احصائي معقد، بل مطلوب منه ان يتعلم كيفية استخدام ذلك البرنامج بما يخدم بحثه علميا..هذا فضلا عن انهم (حسبما نقل صديق يحضر للدكتوراه) يضطرون الى دراسة وحفظ برامج احصائية قد لا يستخدمونها مطلقا، الا انهم ينشغلون بعقدها وقوانينها الرياضية ارضاء لاستاذ المادة وخوفا من الرسوب. فهل يعقل ان ينحصر اهتمام طالب الدراسة العليا (دكتوراه) بقضية الحصول على درجة النجاح في مادة (ثانوية) ويهمل مواد تخصصه التي سيبني بحثه وفقها؟!.
وكمثال تقريبي للقارئ الكريم: الصحيفة التي بين يديك يتولى اخراجها بهذه الهيئة والشكل شخص فني يسمى (المصمم) وهو لا يستطيع انجاز هذه المهمة من دون برنامج حاسوبي خاص يسمى (الاندزاين او الكوريل)، وهو لا يستطيع التعامل مع هذا البرنامج من دون ان يتعلم كيفية استخدامه والايعازات التي يتطلبها، ولكن هذا المصمم غير مطالب بتعلم كيفية صنع او اعداد هذا البرنامج والا لاصبحت وظيفته تختلف ولما بقي في الصحيفة اصلا.
الحال نفسه ينطبق على الباحث العلمي فهو ليس واضع برامج احصاء بل موظف للبرنامج في بحوثه العلمية..هل وصلت الفكرة؟!.
مقالات للكاتب كريم ابو طوق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق