الثلاثاء، 14 مايو 2013

خريطة من القرون.. «الوسطى»!


 
ثمّة من يصمّون آذانهم عن سماع الحقيقة، وخصوصاً أولئك الذين يغلقون عيونهم والعقول، ولا يُبدون اهتماماً بالمستقبل بقدر ما يبددون جهودهم وأموالهم وطاقاتهم على التغني بأمجاد الماضي والحنين إلى الحقب الغابرة (بافتراض انها أمجاد فعلاً وليست تاريخاً مزوّراً كما بات واضحاً ومكشوفاً)..
لهؤلاء الذين لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، برغم ما تتمتع به سفارتهم من بذخ في المباني والأزياء الفاخرة للدبلوماسيين الذين ليس لهم من أسمائهم و وظائفهم نصيب، فهم يقضون أوقاتهم بالتمتع بالشواطئ ورحلات الصيد والشواء، فيما دبلوماسيو الغرب، يُرسلون في مهمة عليهم إنجازها، ولهذا لا يمر تعيينهم بسهولة، بل بعد جلسات استماع طويلة ومرهقة، لا تلبث أن تتحوّل إلى مواجهات بين الموالين والمعارضين، لكن المعيار في النهاية هو المصلحة الوطنية بعيداً عن التربص وتصفية الحسابات، التي لا تخلو منها لعبة السياسة، لكنها وعند مفصل معين، تظهر في الأفق، منطقة محظورة، يُمنع اللعب فيها أو «الولّدنة».. هذا ما يحدث في بلاد العالم المحترمة أيّاً كانت درجة عدائها السياسي والحضاري القيمي وربما «الديني» لنا، لكن عرب اليوم (حتى لا نطلق صفة أخرى نُحاسب عليها أو تجلب لنا المتاعب). غير معنيين بـ(ترف) كهذا ويواصلون دفن رؤوسهم في رمال الأوهام والتخيلات المريضة، والتآمر على بعضهم وتدشين عداوات وحروب أهلية في أوطانهم.
.. ما علينا . تشاك هيغل.. وزير الدفاع الأميركي، الذي اجتاز «امتحان» تعيينه بصعوبة بالغة، بعد أن احكم اللوبي اليهودي والمتصهيّن الحصار عليه وشنّ حملة لاذعة وشعواء على مواقفه السياسية، وخصوصاً تجاه «أمن» إسرائيل إضافة إلى ما قيل عن معارضته توجيه ضربة عسكرية على خلفية برنامجها النووي..
هذه المواقف باتت من الماضي، فالسيناتور المخضرم الذي قرأ كثيرون في تعيينه المتزامن مع تعيين السيناتور جون كيري وزيراً للخارجية, بأنه اشارة «تحول» في المسيرة «الاوبامية» وأن أول رئيس اسود للولايات المتحدة، حريص على عدم الانزلاق الى حرب أخرى في المنطقة اضافة بالطبع الى ما دأب رهط المحللين والكتبة لفت الأنظار اليه, وهو أن اوباما لم يعد في حاجة الى «الصوت اليهودي» وغيرها من التُرّهات التي تتكرر كل دورة رئاسية أميركية ثم لا يلبث المتفيهقون، أن يحيلونا الى قوة اللوبي اليهودي التي لا يستطيع احد مواجهتها.. وبخاصة بعد أن رأوا اوباما يهبط في اسرائيل ويقدم لها فروض الولاء والطاعة، ويطمئنها الى انها «لن» تكون وحيدة في مواجهة التهديدات وان لها الحق كل الحق في أن تتخذ القرار الذي يضمن أمنها وتفوقها «النوعي» على كل أعدائها.. (سار على الهدي عينه كيري وخصوصاً هيغل).
نقول: هيغل لم يتردد هو الآخر في الذهاب الى أبعد مما ذهب اليه رئيسه عندما زار إسرائيل وقال كلاماً, ليس فقط بدا وكأنه يعتذر عن مواقفه السابقة بل وايضاً في التأكيد على انه بات في مقدمة من يروّجون للرواية الاسرائيلية عن طبيعة صراعها مع اعدائها، فضلاً عن تفهّمه لحاجة المنطقة الى خريطة جديدة تطيح الخريطة الراهنة التي لم تعد تلائم حقائق العصر (الإسرائيلي الأميركي بالطبع)!؟.
هل قلنا خرائط جديدة؟ نعم, فالوزير الاميركي الذي خُدع كثيرون بقدومه - كما قدوم كيري - تبنى في خطاب أمام أكثر وأكبر مراكز الابحاث والدراسات الصهيونية في واشنطن (معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط) مقولة لسيناتور «جمهوري» متطرف هو روبرت كابلان «.. ان الشرق الاوسط هو خريطة من القرون الوسطى, حيث الحدود ليست معروفة بوضوح أو دقة» فيما المنطقة هي عبارة «عن عالم.. حيث ظلال النفوذ غامضة ومتضاربة»..
هنا أسّ المسألة وجوهر السياسات التي تُرسم ويجري تطبيقها بدهاء وهدوء وتارة في صخب وتضليل وصولاً الى حروب وغزوات وغارات جوية ودعم حروب أهلية أو تمردات على النحو الذي تشهده بلاد عربية عديدة وخصوصاً سوريا. الوزير الأميركي الذي وُصِف ذات يوم بانه أقرب الى الحمائم منه الى صقور الحزب الجمهوري، ينعى خريطة المنطقة الراهنة ويرى انها استنفدت أغراضها وحان وقت رسم خرائط جديدة «بحدود معروفة بوضوح وبدقة»، على عكس ما هو سائد الآن، ولكم ان تخمنوا كيف سيصل سادة العالم إلى حدود كهذه.. واضحة ودقيقة؟ وعلى أي أسس ستنهض؟ اذا ما علمنا ان أحدا لا يتحدث عن سيادات دول أو شعوب ذات دور وحضور، بقدر ما يهمهم في الغرب (كما في تل أبيب) ان يقيموا دولاً على أسس دينية وطائفية ومذهبية وعرقية يتفتت فيها مفهوم العروبة، ويتم احياء بل تمجيد الهويات الفرعية التي ستكون اسرائيل أكبر المنتصرين فيها، والتي لن تكون مُحْرجة ابدا اذا ما أصرّت على الاعتراف بها دولة يهودية (وديمقراطية حتى لا ننسى) في منطقة «ظلال النفوذ فيها غامضة ومتضاربة».. بل سيكون نفوذا بلا ظلال أو تضارب، أما من هو صاحب النفوذ، فهي بالتأكيد هنا اسرائيل والصهيونية وكل ما ترمز اليه من عنصرية ورجعية ودموية. هل «إستدعيتم» نظرية المؤامرة ؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق