الاثنين، 20 مايو 2013

الجيش الحر.. والجيش النظامي!


 
يمكن القول إنَّ الإعلام، بوسائله المختلفة، هو مِنْ أبرز ضحايا الصراع الدائر في سوريَّة الآن؛ حيث، في معمعان هذا الصراع، خسر الكثير من وسائل الإعلام سمعته المهنيَّة، وفقد صدقيَّته؛ فلم يعد بالإمكان التعامل معه كمصدر موثوق للأخبار والمعلومات.
ومع الأسف، فقد وقع في هذا الفخّ قسمٌ غير قليل مِنْ إعلامنا المحليّ؛ إذ إنَّه وضع الأسس المهنيَّة جانباً، وغلَّب الهوى السياسيّ الخاصّ على تحرِّي الدقَّة والموضوعيَّة. وراح يتحدَّث عن تقييماته واستنتاجاته بلغة توحي أنَّها وقائع ومعلومات، ويستخدم توصيفات منحازة للأحداث وأطراف الصراع، ويعتمد في أخباره وتحليلاته على مصادر متحيِّزة وغير موثوقة.
وعلى سبيل المثال، يستخدم قسم كبير مِنْ إعلامنا، في تغطياته الإخباريَّة، تقارير ما يُسمَّى "المرصد السوريّ لحقوق الإنسان"، مِنْ دون الإشارة إلى أنَّ هذا المرصد يتبع مباشرة لشخص واحد مقيم في بريطانيا وله موقف سلبيّ مسبق ضدّ النظام السوريّ . لذلك، فإنَّ مَنْ لا يعرف هذه الحقيقة، يظنّ أنَّ مصدر الخبر (المرصد السوريّ) جهة محايدة ولها مراسلون محترفون ونزيهون ينتشرون في مختلف أنحاء سوريَّة، فيتتبَّعون مواقع القتال مباشرة، ويتحرّون بدقّة كم قُتِلَ من الناس في كلّ موقع ومَنْ قتلهم.
في موسوعة ويكيبيديا الشهيرة، تَرِدُ المعلومات التالية عن المرصد المشار إليه: "المرصد السوري لحقوق الإنسان هو مكتب إعلامي يقع في المملكة المتَّحدة معارض لحكومة سورية. يوجد خلاف بين رامي عبد الرحمن، وهو مهاجر سوري، وبين شخص اسمه مصعب عزاوي حول الحق في استعمال تسمية «المرصد السوري لحقوق الإنسان». منذ بداية الأزمة السورية كثيراً ما تستشهد وكالات الأنباء الكبرى بالمعلومات من موقع المرصد التابع لعبد الرحمن.
المعلومات التي ينشرها المركز يقوم بتجميعها وتحليلها ونشرها شخص واحد هو رامي عبد الرحمن مؤسس المركز ومديره والناطق الوحيد باسمه".
هذه معلومات معروفة لكلّ المتابعين والمهتمّين؛ لكن، رغم ذلك، يأخذ معظم وكالات الأنباء والصحف والفضائيَّات والمواقع الإلكترونيَّة، في مختلف أنحاء العالم، متابعاتهم الإخباريَّة بشأن الصراع الدائر في سوريَّة، ممَّا يقوله رامي عبد الرحمن باسم ذلك المرصد المزعوم الذي يتَّخذ له مقرّاً في شقَّة مِنْ غرفتين في كوفنتري في بريطانيا. ويؤخذ كلام هذا المرصد باعتباره كلاماً موثوقاً تماماً وقطعيّاً، بل إنَّ كثيراً من الناس يبني موقفه ممَّا يجري في سوريَّة عليه ويحاجج به بلا تحفّظ. وهذا يدلّ على مبلغ التواطؤ مِنْ أطراف كثيرة على نشر صورة معيَّنة أحاديَّة الجانب عن الصراع في سوريَّة لتوظيفها لأغراض سياسيَّة تخصّ القائمين على تعميم هذه الصورة.
يمكن، بالطبع، لكاتب مقال أنْ يقول ما يشاء، على مسؤوليَّته الخاصَّة، فيتحمَّل تبعات ذلك أمام قرّائه وضميره؛ لكنَّ الأمر يختلف بالنسبة لوسائل إعلام تدَّعي أنَّها مستقلّة وموضوعيَّة وملتزمة بالأصول المهنيَّة في انتقاء الأخبار وطريقة عرضها وإبرازها، ثمَّ تقوم، بعد ذلك، بالتنازل، بسهولة، عن أبسط شروط المهنيَّة والنزاهة في تعاملها مع أخبار سوريَّة؛ إلى حدّ أنَّها تأخذ مفاهيم ومفردات رامي عبد الرحمن وأوصافه الدارجة غير الموثوقة وتنشرها كما هي بلا تحفّظ ولا تحرٍّ.
كنموذج تفصيليّ دارج وله دلالته، يستخدم الكثير مِنْ وسائل الإعلام تسمية "الجيش الحرّ" لوصف المجموعات المسلَّحة؛ بينما هو يستخدم، في الخبر نفسه، تسمية "الجيش النظاميّ" لوصف "الجيش العربيّ السوريّ"؛ وهذا انحياز مكشوف مخلّ بالمهنيَّة. لأنَّه يتعمَّد وصف أحد طرفي الصراع بالاسم الرسميّ الذي اتَّخذه هو لنفسه (الجيش الحرّ)؛ لكنَّه، بالمقابل، يتجاهل التسمية الرسميَّة للطرف الآخر (الجيش العربيّ السوريّ)، ويسمِّيه، بدلاً مِنْ ذلك، بالاسم الذي يطلقه عليه خصومه (الجيش النظاميّ). فانظر يا رعاك الله وتأمَّل مبلغ النزاهة والمهنيَّة.. ثمَّ قِسْ على ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق