الاثنين، 13 مايو 2013

تركيا ورحلة اللعب بالنار


قُتل 40 شخصاً وأصيب عشرات آخرون في انفجار سيارتين ملغومتين في بلدة تركية قرب الحدود السورية السبت الماضي، وأشارت تركيا بأصابع الاتهام إلى جارتها الجنوبية.
سبق ذلك تفجيرٌ مشابهٌ قبل ثلاثة أشهر، وبالمقابل شهدت دمشق تفجيرات كثيرة اتهم فيها السوريون تركيا بالوقوف وراءها، مع دعم المسلحين بالأسلحة وتسهيل دخول المقاتلين العرب والأجانب إلى الأراضي السورية. وهي السياسة نفسها التي اتبعها السوريون طوال سنوات لتسهيل دخول المقاتلين أنفسهم إلى العراق للقيام بالتفجيرات وعمليات القتل الجماعي لمقاومة الأميركان ودفع كلفتها الغالية الشعب العراقي كما يدفعها الشعب السوري الآن.
في صراع الأمم هذا، على الموارد والنفوذ، فإن أسوأ ما قام به أردوغان هو التحدّث باسم السنة، سواءً في سورية او العراق، وبناء سياساته على أسس طائفية بحتة تخفي وراءها أهدافاً سياسية وتجارية أكبر. وما حققته تركيا أردوغان خلال عشر سنوات من نجاحات، بدأت تفقده خلال العامين الأخيرين، حين تخلّت عن سياستها الحكيمة «تصفير المشاكل مع دول الجوار»، وتنغمس أكثر كطرفٍ في الصراعات العربية الداخلية، وأخذت تتزعم محوراً جديداً مع دول عربية معينة، كان أول المحذّرين منه ملك الأردن الحليف للغرب، حيث يتبين للجميع أن أضلاع هذا المثلث تنتهي في الولايات المتحدة و»إسرائيل».
الانحدار كان أسرع بكثير من رحلة الصعود، وكانت البداية مع تغيّر موقفها في الأزمة الليبية. كان تسللها بحذرٍ، بعدما كانت تعارض التدخل العسكري، حفاظاً على مصالحها واستثماراتها ويدها العاملة في ليبيا، ثم أخذت تشارك في الحصار البحري على ليبيا، وحين ازداد موقف النظام تضعضعاً، أعلنت تركيا المشاركة المباشرة في الحرب. لقد كان موقفاً مخزياً أخلاقياً، أملته المصالح البراغماتية البحتة، حيث تصرّف أردوغان كتاجر بازار. وكان قبل ذلك بعام واحد، وفي العام 2010 تحديداً، قد تسلم «جائزة القذافي لحقوق الانسان»، وتعرّض بسبب ذلك إلى انتقادات داخلية شديدة لقبوله جائزة دكتاتورٍ قتل المئات من شعبه، وسجن الآلاف.
قبل ستة أسابيع، وفي سياق التقلبات في الموقف التركي، تمت إعادة العلاقات مع «إسرائيل»، بعد مكالمةٍ هاتفيةٍ أجراها الرئيس الأميركي مع رئيس الوزراء التركي، لتطويع موقفه بشأن ضرورة هذه الخطوة، بعدما أقنع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، وفرض عليه الاعتذار والقبول بمبدأ التعويضات، من أجل هدف أكبر، وهو تعزيز التحالف ضد العدو المشترك: النظام السوري. لقد كان موقفاً يرثى له أن تغيّر دولة إقليمية مهمة موقفها من مقتل مجموعةٍ من مواطنيها غدراً، بناءً على اتصال هاتفي.
في الحدث الأخير، شاهدنا صور القتل والجثث المتفحمة وأشلاء القتلى والدمار الذي تسبب فيه التفجيران اللذان وقعا في شارعين مزدحمين بالقرب من مبنى البلدية ومكتب البريد، في بلدة ريحانلي التركية. وهو مشهدٌ شبيهٌ بما يحدث منذ أشهرٍ في الشوارع السورية من تفجيرات، تشابه تماماً آلاف التفجيرات التي وقعت في المدن العراقية خلال السنوات العشر الماضية، وأودت بأرواح عشرات الآلاف من العراقيين، فضلاً عن أضعافهم من الجرحى والمعوقين. وفي كل هذه المشاهد يكون أغلب الضحايا من المدنيين الأبرياء، سوريين وأتراكاً وعراقيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق