الثلاثاء، 25 يونيو 2013

البرازيل وسلمية الاحتجاج

c
عندما يتظاهر مليون برازيلي فهذا ليس عدداً كبيراً في بلد يصل تعداد سكانه إلى قرابة مئتي مليون نسمة . مع ذلك لم نسمع رئيسة البرازيل تصف المتظاهرين باللصوص والرعاع والأجانب، ولم تضرب بسيف الديمقراطية باعتبارها رئيسة منتخبة من أغلبية الشعب، بل قالت بملء فمها إن “هؤلاء المحتجين أظهروا قوة ديمقراطيتنا”، ولم تشكّك في التوقيت المحرج للتظاهرات وتزامنها مع استضافة البرازيل لبطولة كأس القارات . ورغم أن فرضية وجود توجيه ما من الخارج ليست معدومة بالمطلق، باعتبار أن البرازيل في السنوات الأخيرة تشق طريقاً صاعداً وقيادياً في قارة أمريكا اللاتينية، عنوانه الاستقلال الوطني والانحياز إلى الفقراء ومحاصرة أساطين رأس المال من بقايا أنظمة الطغم العسكرية المتضخمة والفاشية .
لم تنشغل خليفة لولا دا سيلفا، والمناضلة السابقة ضد العسكرتاريا، بالبحث عن اتهامات حتى لو كانت وجيهة، بل دعت حكومتها إلى اجتماع أزمة وخرجت من الاجتماع بخطاب متلفز إلى الأمة البرازيلية تعد فيه بتلبية مطالب المتظاهرين الاجتماعية بالإصلاح، واستثمار عائدات الموارد النفطية في التعليم وتعزيز الخدمات الصحية، لكنها نبّهت في الوقت ذاته إلى أن السلطات سوف تحافظ على النظام ولن تسمح بالتخريب الذي ليس من شأنه سوى عرقلة الديمقراطية المشروعة وتحويل الإصلاح إلى تخريب، والحياة إلى موت .
بعض التظاهرات انحرفت عن المسار السلمي حيث لجأت بعض المجموعات إلى تدمير الممتلكات العامة وتخريب مرافق للنقل العام، في تناقض فاضح مع الشعارات والمطالب المرفوعة . من هنا ترافقت الوعود بتلبية مطالب المحتجين مع تأكيدات حازمة برفض العنف والتهديد بملاحقة مرتكبيه والمحرّضين عليه . من المعروف أن البرازيل واحدة من الدول التي توجد فيها نسبة كبيرة من تجّار المخدرات، ومن غير المستبعد أن يجد هؤلاء في التظاهرات والفوضى بيئة ملائمة لرفع الضغط عنهم، وبالتالي استغلال الأوضاع لتغذية العنف وصب الزيت على النار .
لم يكن جواب الحكومة البرازيلية متجاهلاً مطالب شريحة واسعة من الشعب، وإن لم تكن تمثّل الأغلبية، ولم تتصرف كما فعلت بعض الأنظمة العربية وحكومة أردوغان التركية، لذلك تراجعت الحركة الاحتجاجية في البرازيل بنسبة كبيرة فور بث خطاب روسيف. بالمقابل، من الصعب افتراض أن يصاب المتظاهرون بالنزق والانجراف وراء أصحاب نفوس مريضة، وإدخال بلد حقق أرقاماً قياسية في النهوض والتنمية في فوضى عارمة عنوانها القتل والتدمير والخطف، باسم الديمقراطية والإصلاح .
من المستحيل تصور أن يزج بالجيش البرازيلي في أتون التوتير وحرق البلاد، وتقسيمه إلى جيشين متحاربين تحت الشعار نفسه، علماً أن بعض الدول اللاتينية القليلة الباقية في الحظيرة الأمريكية والغربية، لديها الحافز والقابلية والتبعية للدخول على خط التسليح والتمويل ورفع شعار الصداقة والحرص على الشعب البرازيلي الذي يعلّمها أبجديات الحضارة والديمقراطية، ذلك الشعب الذي أنجب لولا دا سيلفا حامل الشهادة الابتدائية الذي ركب الدواب للوصول إلى مناطق نائية لا تصلها السيارات .
عندما تلتقي الحناجر المطالبة بالإصلاح سلماً مع آذان حكومية تستمع للشعار والهتاف بعيداً من الصواريخ والقذائف، عندها سيكون التظاهر أرقى وسائل البناء، ولن يكون وسيلة للوصول إلى سلطة فوق الركام والجماجم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق