الأحد، 9 يونيو 2013

لماذا ثار شباب " الربيع التركي " ؟

مازالت أحداث تركيا تسيطر على وسائل الإعلام والقنوات الإخبارية والإعلامية المختلفة في العالم، فما حدث في المدن التركية لا يمكن أن يتغاضى عنه أي مراقب في شأن منطقة الشرق الأوسط. ذلك أن النموذج التركي كان دائماً نموذجاً يُضرب به المثل في البلدان العربية ولاسيما التي شهدت ثورات الربيع العربي، على اعتبار انه نموذج ناجح بين زواج العلمانية والإسلام، إذ استطاع هذا النموذج أن ينقل تركيا في ركب التقدم والتطور، ما جعلها تسبق دول المنطقة التي تعيش تقلبات شبه يومية في المزاج السياسي.
المفاجأة التركية لم تخرج من فراغ ولكن من تراكمات بدأت منذ العام 2010 وانفجرت في 31 آيار 2013 لتعكس حالة التنافر بين الإسلاميين والعلمانيين، المتمثلة في التخوف من تغييرات تؤدي إلى فقدان المكتسبات المتمثلة في شكل الدولة المدنية والحريات العامة بشتى أشكالها، بدءًا من الحرية الفكرية وصولاً إلى حرية الإعلام وغيرها. لقد أعطى الانفجار الاجتماعي في ميدان تقسيم باسطنبول بعد الاعتداء على متظاهرين في منتزه جيزي، ولادة جديدة لتركيا غير تلك التي أسسها حزب العدالة والتنمية (حزب رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان)، وهي ولادة تحمل في طياتها ملامح حراك جديد قد يرمي بظلاله على باقي دول المنطقة، التي قد تتأثر بسرعة بما يحدث في كل مدينة تركية خصوصاً أن العالم العربي يفتقد أو يكاد يخلو من أي نموذج سياسي ديمقراطي ناجح . الاحتجاج التركي لم ينصب فقط على تصريحات أردوغان التحريضية ضد المتظاهرين (لصوص والمعارضة تخدع الجماهير) وقمع المظاهرات السلمية باستخدام القوة المفرطة من قوات مكافحة الشغب التركية متمثلة في قنابل مسيلات الدموع وخراطيم المياه ورذاذ الفلفل والضرب بالهراوات والاعتداء على عامة الشعب نساءً ورجالاً، بل يرجع إلى التغييرات التي سعى إليها حزبه في صلاحيات الدستور التركي التي أثارت استياء الليبراليين والديمقراطيين والكماليين (نسبة إلى مؤسس الدولة في تركيا كمال أتاتورك) وهؤلاء كانوا في يومٍ يدعمون لسنوات حزب التنمية الذي قاد الدولة التركية إلى مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي وتسهيل النمو الاقتصادي وهي عوامل كانت مثار إعجاب في الأوساط التركية.
وعن ذلك كتب الصحافي التركي قدري غورسيل في مقاله «تلبية تركيا الحديثة» في موقع المراقب قائلاً: كانت السمة الأساسية لتركيا (القديمة) الجهود التي تبذلها النخب الموالية للغرب الحداثي وتحديداً العسكريةالبيروقراطية وذلك لتحويل بقايا الإمبراطورية القديمة إلى الأمة التركية العلمانية. وكانت من أدوات الدولة لعقودٍ فنجحت في بعض هذه الأهداف وفشلت في البعض الآخر. وعن دور حزب العدالة كتب غورسيل: حزب العدالة والتنمية مثل المصالح المشتركة للكوادر السياسية الإسلامية، والمحافظة (الأناضول البرجوازية) أي بروز الطبقة الوسطى الجديدة المحافظة والجماهير التي تقي الفقراء من المدن الكبرى الذين هاجروا من الأناضول، في هذه الأثناء هناك مازالت أزمة الطبقة السياسية التقليدية السابقة في بلد حيث لا يوجد فصل بين السلطات، حيث الضوابط والتوازنات التي لا تعمل ويتم تقييدها عبر وسائل الإعلام، وجميع القوى في يد رجل واحد يريد تغيير تركيا وفقاً للتطلعات الإسلامية التي في ذهنه. وأضاف الصحافي التركي عن رسالة شباب تقسيم لأردوغان: مع 31 ايار 2013 خرجت حسابات جديدة لأردوغان من قبل الجيل الشاب في تركيا، وهي رسالة قادمة من تقسيم ولا ندري إن فهم الرسالة أم سيستمر على دربه من التسلط مزعزعاً أركان تركيا واستقرارها، وهو أمر لا مفر منه وهو ما يعني خسارة حزبه وطموحه في جعل تركيا نموذجاً يُحتذى به في الشرق الأوسط.


ولهذا على أردوغان أن يفهم من هم من مئات الآلاف من الشباب الذين ثاروا ضده وماذا يريدون؟ وبحسب استطلاع أجرته جامعة «بلجي» في اسطنبول في 3 حزيران 2013 على الانترنت وتجاوب معها 3 آلاف من المتظاهرين على مدى فترة 20 ساعة، بين أن الهدف لم يكن حزب العدالة والتنمية لكن زعيمه أردوغان. فقد أشار استطلاع الجامعة إلى أن هؤلاء الشباب الذين يقودون اليوم ربيعاً تركياً، أن «81 % يعرفون أنفسهم بأنهم المدافعون عن الحريات. أما 92 % فأكّدوا أن السبب الأبرز في الاحتجاج هو موقف أردوغان الاستبدادي، أما 91 % أوضحوا أن الدافع الآخر في الخروج هو وحشية الشرطة التركية. وبالنسبة نفسها عبّر آخرون بأنه انتهاك صارخ للحريات، في حين رآى 84 % صمت وسائل الإعلام التركية عن تغطية الحدث، بينما وجد 56 % قطع الأشجار في المنتزه خطاً لتشييد مركز تجاري محلها». كل ما جاء ذكره يشير أن هناك مؤشرات جديدة مقبلة عليها تركيا من قبل جيل لا ينتمي في غالبه إلى تنظيمات سياسية، ولكنه خرج بشكل تلقائي ضمن حراك عفوي- حسب رأي أكثر من مراقب- وهم يرون في أردوغان مصدر تهديد لحياتهم ولهذا فهم يعارضونه بخلاف جيل آبائهم وأجدادهم الذي عاصر مراحل أشد قسوةً من تلك التي عايشها جيل «الربيع التركي».
http://www.beladitoday.com/?iraq=لماذا-ثار-شباب---الربيع-التركي---؟&aa=news&id22=9499

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق