كثيراً ما يكون سلوك الانسان استجابةً لحافزٍ ما يأخذ "صورة الردِّ" لفعلٍ معيّن سواء أكان الحافز شخصياً أم عائلياً أم اجتماعياً أم سياسياً وأحياناً يأخذ السلوك "صورة المبادرة" ويتحرّك فيها من وحي ارادته بعيداً عن ردودِ الفعلِ أو بدفعٍ من الاخرين.. لا يمكن الحُكْمُ بالمطلقِ على ردودِ الأفعالِ أو الاستجابات بأنها أقلُّ شأناً من الأفعالِ والمبادرةِ!! فإبداءُ المساعدةِ لأيِّ محتاج وتفقّدُ الاصدقاءِ والمبادرةُ لإصلاحِ ذاتِ البينِ والسعيُ لإطفاءِ بعضِ الحرائقِ الاجتماعيةِ ممّا نشبَ من أزماتٍ أدّت الى توتّرٍ في العلاقات كان حدُها الأدنى "القطيعة" لتصلَ الى أقصى مدياتِها بخسائر الدمِ والمالِ وإشاعةِ الاحقادِ عبر الأجيالِ، لأسبابٍ قد تكون تافهةً لا تستحق الذكر..
إنَّ "شرفَ المبادرة" في أيِّ حلٍّ وعلى أيّ صعيدٍ يجعل حاملَ لوائها سبّاقاً ومؤثِّراً في ميادين التصدّي بعيداً عن مردوداتِها الشخصية.. تبدأ قصة المبادرةِ من الوعي المركّبِ الذي يتمتَّعُ به المبادرُ من عنصرِ الإلمام بفهمِ الموضوع المنوي التصدّي له، الى الإحاطةِ بأطرافِه، الى التحلّي بروحِ الشجاعةِ بالمواجهة، الى توزيعِ الادوارِ التي يستلزمها الموضوع على كلِّ أصحاب الكفاءات، الى التوافر على عقليةٍ اجتماعيةٍ بالتعاطي، الى تحمّلِ تبعاتِ التصدّي من مردوداتٍ سلبيةٍ تعتريه في طريقِ التنفيذِ قد تصل أحياناًحدَّ التضحيةِ بحياتِه.. كان الحسينُ (ع) "ذروة المبادرة" فقد استلزمت تقديمَ أغلى أنواعِ التضحيةِ في حياةِ الانسان تجاوزت النفسَ الى الأهلِ والاصحابِ لحملِ لواءِ الإصلاحِ ليتصدّرَ مسيرةً كُتِبَ لها أن تعمَّ الركبَ الإنساني ليعبرَ أسيجةَ القبيلةِ والمنطقةِ واللغةِ والدينِ وتتجاوز مدياتها أعمارَ أبطالِها وزمنَ جيلِهِم الى أجيالٍ لاحقةٍ دون أن تتوقف..
تفاعلُ الإنسانِ مع كلِّ من يدور حوله دليلٌ على ما يحمل من إنسانيّةٍ بفكرِه وقيمِه ومشاعرِه وسعتِه بمحتوياتِه، هذه هي التي تضفي عليه طابعاً عالمياً يتّسع باتّساعِ الناسِ ويتفاعل بعمقِه مع أعماقِهم.. كلّما كبُرت أهدافُه كَبُر عطاؤه وكلّما زادت أمالُه زادت تضحياتُه فهي لا تقف عند حدٍّ ولا تتعثر أمام صعوبة وهذه السعة من نفع الناس هي التي تُضفي عليه طابعَ الديمومة }فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جفآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ{ فما يمكث في الارض ويدوم فيها هو نفع الناس وتقديم الخير لهم ومنه الحديث الشريف عنه (ص) "خير الناس من ينفع الناس، فكن نافعاً لهم"..
مقالات للكاتب د . إبراهيم الجعفري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق