بلدٌ محدود الموارد، تعداده مليون نسمة، نصفهم من الأجانب من رعايا الدول الأخرى، يستورد مليون ونصف مليون عبوة غاز مسيلة للدموع، هل يجد الإعلام الأجنبي ما هو أكثر إثارةً من هذا الخبر؟
بلدٌ صغير، لا تزيد مساحته عن 700 كيلومتر مربع، كيف يمكن تخيّل تأثير هذه الكمية الهائلة من المواد الكيمياوية عليه؟
مكوّنٌ من 33 جزيرة، خمس منها مأهولة بالسكان، بعضها لا يزيد عن سبعة ملاعب متلاصقة لكرة القدم، (سترة 15 كم والنبيه صالح كيلومتر مربع واحد فقط)،
حين نكتب بإلحاحٍ عن هذا الموضوع، فدفاعاً عن الأرض والعرض والعقل البحريني. فليس من المنطقي أن نستورد مليون ونصف مليون عبوة مسيل للدموع، للاستخدام اليومي، ضد البشر، وكأننا في حرب عالمية كبرى.
لقد كتبنا طوال سنوات دفاعاً عن البيئة، ونشرنا عشرات التحقيقات والمقالات من أجل حماية فشت الجارم وإنقاذ الثروة السمكية والبيئة البحرية، واليوم نكتب بنفس الحماسة والحمية الوطنية، دفاعاً عن صحة البشر وحياة الناس على هذه الأرض، التي تتعرض إلى هذا الاستخدام المفرط لهذه الغازات.
وحين نكتب، فإننا لا نكتب من وراء مكاتب مكيفة، أو من أبراج عالية، وإنّما نكتب من تحت سحب الغازات التي تغطي مساكننا. فنحن من ضحايا هذه الغازات، نعيش في المحيط المستَهدَف، وتسقط العبوات رأسياً على منازلنا، وتسبب الاختناقات والأمراض، استمراءًً لسياسة العقاب الجماعي منذ ثلاثين شهراً، ضد عددٍ من المناطق والتجمعات السكنية الكبرى في البلاد.
قبل عام، أجرت إحدى الصحف مقابلةً مع أحد الخبراء الأمنيين الأجانب، فشرح خطته لقمع الحراك السياسي، بالتوسع في استخدام الغازات المسيلة للدموع، بحيث تغطيها سحبٌ من الدخان. هذه السحب باتت ملازمةً لأجواء الجزيرة اليوم، وكلما زاد استخدامها، زادت تعلقاً بالجو، وستبقى آثارها ممتدةً في المكان والزمان.
إن هذه الغازات لن يفلت منها مواطن ولا مقيم، ولن تنجو منها منطقة دون أخرى، فحين تتلبد أجواء الجزر بهذه المواد، فاعلموا أنه لن ينجو منها أحد، ببساطةٍ لأنها عالقةٌ بالجو، ومختلطةٌ بذرات الهواء التي تدخل رئة كل مواطن ومقيم، وعربي وأعجمي، و(لمن يحب ويطرب لهذه التسميات) سني وشيعي، ومتدين وليبرالي. هذه هي الحقيقة، لكي لا يأتي لنا من يقول إن استخدام مسيل الدموع يجري وفقاً للمعايير المتفق عليها دولياً، وأنها تستخدم في الولايات المتحدة وبريطانيا، وينسى أن بلدنا لا يزيد عن مساحة مدينةٍ في أصغر ولاية أميركية.
إن استيراد هذه الكمية المهولة من عبوات الغاز المسيل للدموع، وهي مواد كيمياويةٌ مدمّرة للصحة والبيئة يقيناً، أمرٌ يستدعي وقفةً مع الضمير. لسنا مع العنف ولا العنف المضاد، ولا مع سفك الدماء، ولا الاستهتار بالأرواح أو الاستخفاف بالمعاناة الإنسانية وصحة البشر. إنها شحنةٌ ضخمةٌ من المواد الخانقة، ومن غير المنطقي تبريرها باستخدام الدول الأخرى ضد شعوبها، لأن ذلك لا يبرّر استخدامها ضد شعبنا، مع أن تلك البلدان لا تلقي هذه الأسلحة على المناطق السكنية، وإنّما ضد «حشود» كبيرة، في الهواء الطلق وفي مناطق مفتوحة. فمليون ونصف مليون عبوة أكثر بكثير مما يحتمله هذا البلد الصغير.http://beladitoday.com/?iraq=%E4%CD%E4-%E6%D4%CD%E4%C9-%93%C7%E1%E3%E1%ED%E6%E4%94-!&aa=news&id22=18259
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق