~عام 2005 وصفتُ مِصْرَ من خلال خطاب الجامعة العربية المرتجل انها
"الاكبر العربي" ربما أشرت من خلال اللفظ الى الاكبر بالسكان كما وصفتها
بأنها تمثل "القدر العربي" لانها حاضنة الجامعة العربية وباعتبارها قرينة
الطود الشامخ المتمثل "بالأزهر الشريف" مثلما اقترن العراق "بالنجف الأشرف"
كصرحٍ شامخ وهو حاضن الحوزة العلمية.. مضافاً لكون أنها ثاني الأجنحة
الحضارية الانسانية بعد العراق ومحطة الاستقطاب الفني المتمثل بالدراما
المصرية ومروّجة الأدب العربي وموئل الشعراء.. ربما تتغير بعض مكونات
المركب الحضاري لكنّ قاعدتها الحضارية تبقى راسخة لا تتبدل وقد يداعب بعض
الدول طموح المنافسة لموقعها الاول وهو لا شك طموحٌ مشروع من حيثُ المبدأ
لكنه وما لم يتوافر على مستلزمات التأهيل يفقد واقعيته ويكون مجرد وهمٍ
يداعب خيال الحالمين ليس إلا!!.. فالحضارة جلدٌ غير قابل للسلخ وليس مجرد
لباس يمكن نزعه وارتداؤه متى شاء الانسان بحكم ارتباطه بجدير القيم
المعنوية وعميق التفاعل عبر الاجيال ما يمنح مواطنه تلقائية التجسيد من دون
تكلّف لتنعكس اثاره على عموم المواطنين بغض النظر عن تفاوت مستوياتهم
المعاشيّة.. دفعت مصر استحقاقات التصدي على أكثر من صعيد -أصابت أم أخطأت-
وكلّفها ذلك الكثير مادياً ومعنوياً ودفعت أثماناً باهظة من الأرواح
والمعدات، فالمال يلعب دوراً بالتصدي ويدفع باتجاه التقدم نحو الامام غير
أنه ليس بديلاً للتاريخ الحيوي الموغل بالقدم أو القاعدة المعرفية التي
تؤسس بمحتوياتها محتويات الحضارة.. إن انسان الحضارة هو حامل لواء المعاصرة
وبجدارة للساحة العالمية المتسعة لكل بني البشر والتي لا تختنق من جنس ولا
تضيق بقومية ولا تستبد بها نعرة هذه العناصر المصيرية وهي غير قابلة
للاقتطاع فضلا عن الانتقال من تربة الى تربة ولا أسيرة بيئة اجتماعية معينة
تحيى بجوها وتموت بالاجواء الاخرى.. فـالدول المتحضرة حين تقوى تمتد
بقيمها وإنسانيتها للعالم فتقوى بها دول أخرى وتزخر بتجربتها وهو ما كشفه
تاريخ الاسلام الذي امتد لدول العالم ونشر بانتشاره ألوية العلم والعدل
والمحبة والسلام ما خلا صفحاتٍ استثنائية لم تجسّد بذلك ارادته الحقّة إن
لم تكن هي أقرب للتمرد عليه والنشوز عن أهدافه ومبادئه!!.. إن أخشى ما يخشى
على الموروث الحضاري هو اخطبوط التخلف ذو الأكف المملوءة بأموال السحت
والمنزوعة من أصحابها الشرعيين والعاجز على النهوض بها والمتفنن بقبرها
بآلياتٍ الاٍرهاب وثقافة الترف ومحاربة الفكر وتعميق النعرات الذكورية
والطائفية والعائلية والعنصرية والمناطقية والماضي وبإصرار لاغتيال الذاكرة
الحيّة للأمة من خلال اغتيال تراثها الزاخر بالعِبَر فـكلها عفا عليها
الزمن واندثرت غير مأسوف عليها تحت ركامه..اليوم أمام مصر طرق مفتوحة
للصعود وموازين القوة الاقتصادية ليست بديلة عن الارصدة الحضارية الجمّة
ثمّ ان مصر ليست معدومة الثروات المادية وهي بلد النيل النهر الأطول في
العالم على أنّ الثروة الاقتصادية لا تدور بدولاب النفط وحده ولا أي ثروة
أحادية فـهناك دول تسنّمت مواقع اقتصادية متقدمة تنوعت بتنوّع احتياجات
الانسان في الادب والفن والسياحة والعلوم والقانون ومدّ جسور العلاقة وكسب
الثقة والثقافة والزراعة والصناعة والتجارة والسياسة.. الـعالم غاصٌّ
بالفرص ما دام يتوافر على ارادة البناء ويحارب كلَّ أنواع الفساد ويكرّس
عناصر القوة للنهوض بمهمات الارتقاء من ريادة التصدي وقيادته الى التحلّي
بوعي الذات ووعي الاخر لإجادة ادوار التفاعل الحيوي مع كل ما يحيطها من
بلدان.. عالم الحضارة متحرك ومتفاعل وليس عالماً متعازلا انه عالم أفكار
وقيم وأحاسيس وهي متفاعلة..
http://beladitoday.com/?iraq=%C7%E1%C3%DF%C8%D1-%C7%E1%DA%D1%C8%ED-&aa=news&id22=70195
http://beladitoday.com/?iraq=%C7%E1%C3%DF%C8%D1-%C7%E1%DA%D1%C8%ED-&aa=news&id22=70195
مقالات للكاتب د . إبراهيم الجعفري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق