الثلاثاء، 3 يوليو 2012

السلطة الخامسة

خالد الخفاجي بديهيا هنالك ثلاث سلطات تضمنها الدستور العراقي هي التشريعية والتنفيذية والقضائية, وفي النظم الديمقراطية الحقة تعتبر الصحافة سلطة رابعة لدورها الكبير في الرقابة على هذه السلطات وكشف انحرافاتها وإشهارها أمام الرأي العام, إلا إننا نشهد انبثاق وترسخ العشائرية كسلطة خامسة تتمتع في غالب الأحيان بصلاحيات تفوق السلطات الدستورية الثلاث وتستمد قوتها من الفكرية القبلية النمطية بمفهومها البدائي المتخلف بعيدا عن مفهومها الاجتماعي الايجابي,حتى غدت هذه السلطة كابحا أمام سيادة القانون وبناء الدولة المدنية الحديثة، ومنذ أن اخضع الحجاج العشائر بأسلوب الترهيب والترغيب في تقوية أركان حكم بني أمية حتى تبنى هذه السياسة كل الطغاة والمتجبرين من بعده, وتغيرت ملامح القبلية الايجابية في الشموخ والإباء والنخوة وحماية الضعيف الى قانون الخنوع والإخضاع, الخنوع لسلطة الطغاة والمتجبرين وتقديم فروض الطاعة والولاء لولاة النعم, وإخضاع أبناء عشائرهم لسطوتهم ونهمهم, فلم يكن قانون العشائر هذا ببعيد عن فكر المتسلطين على العراق الحديث من الدولة العثمانية مرورا ببريطانيا التي أخضعت العراقيين بتقسيمهم الى إقطاعيات بعد ثورة العشرين واسترق فيها الشيوخ أبناء عشائرهم بأبشع ما يمكن للعقل البشري من تصوره, وبعد أن قلم الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم أظفار شيوخ العشائر وأنهى دورهم السلبي في المجتمع, عاد النظام البائد لاستنساخ أسلوب الحجاج بحذافيره لتوأمة وطبيعة نظامه الاستبدادي، وحول العشائر الى جزء من منظومته الأمنية والدعائية, ومع ذلك فان سقوطه لم ينه تسييس العشائر وانتهازية شيوخها المحظيين وعادوا الى أسوأ مما كانوا عليه لضعف الحكومة واستنجادها بهم وإنشاءها لمجالس الإسناد والصحوة وغيرها من التجمعات العشائرية خارج الأطر الدستورية ولا تنسجم مطلقا مع ما يراد بناءه من دولة القانون والمؤسسات, وما زالت ذاكرتنا تحتفظ بأرشيف اسود لمن كان يعد من اقرب المقربين لذلك النظام وعونا له, وكان أول من استباح الممتلكات العامة بعد سقوطه بدلا من حمايتها وما يقتضيه العرف العشائري بذريعة (عاد الحق الى أصحابه) ثم تحول بين ليلة وضحاها الى متضرر من سياسات النظام البائد ومعارضا لسياساته لأنه كان الأسرع في طرق أبواب المحتلين ومن بعدهم السلاطين, وقدرتهم على التلون التلقائي في كل ظرف وحين, وأصبحت للعشائر في العراق الجديد (كوتا) في كل مرافق الدولة وحصة من المغانم ومنطقة نفوذ خاضعة لسلطانها وحصانة يتمتع بها أبناءها فلا لدولة القانون الهزيلة سلطان عليهم, ولم تبقى بركة للمياه الآسنة إلا وأدلوا دلوهم فيها, فبعد أن كانت العشائر نظام اجتماعي يدير الشيوخ به عشائرهم ظهر مقدار تخلفهم وجهلهم ومطالباتهم بإنشاء وزارة للعشائر تدير شؤونهم اسوة بوزارة المرأة !، فكان لهم ما أرادوا في وزارة للعشائر (تم ترشقيها) ومستشار لرئيس الوزراء لشؤون العشائر ولجنة برلمانية للعشائر ومديرية في وزارة الداخلية لشؤون العشائر ومهامها هي توزيع الهدايا والهبات وحشدهم للأهازيج في المناسبات أو لاستخدامهم في الأزمات السياسية لتأزيم الشارع وتأجيجه.منذ أن أطلقت الحكومة الضعيفة يد العشائر وتركت مجموعة من المتخلفين تنهش في تركيبة المجتمع وتماسكه وهم يؤدون دور القضاة ويتولون إصدار الأحكام وتنفيذها, وفق قانون الغاب العشائري الذي تكون فيه الغلبة دائما للأقوى ومن يستطيع استنفار عشيرته لأتفه الأسباب, فغدت عبارات (مطلوب عشائريا) و (مطلوب دم) تنتشر على جدران المنازل وأماكن العمل وتثير الرعب والهلع بين الناس, وقد تضع العشيرة شارة الحجز على مرفق ما (مطلوب عشائريا لا يباع ولا يشترى) وكأنها محكمة خاصة من محاكم الأنظمة الشمولية تتمتع بصلاحيات مطلقة تستمدها من همجية شيوخها لها القدرة على إصدار أحكام الحجز الجائرة بلمح البصر يعجز عن مجاراتهم في سرعتهم امهر القضاة, أما تنفيذ الأحكام العشائرية فهي مهزلة بحق, فمراهقون بالكاد تجاوزت أعمارهم مرحلة الطفولة يتسلحون ببنادق آلية وبأعداد كبيرة لاصطناع هيبة زائفة لعشائرها, تهاجم مساء أو في الصباح الباكر لإرهاب المطلوبين وبث الرعب في نفوسهم أو للتربص بأحدهم وتنفيذ حكم الإعدام وفق طقوس همجية وفي الغالب تكون لأسباب بسيطة تتطور سريعا وتتعقد أو لمجرد الشك وفي أحيان كثيرة للابتزاز أو الطمع في ممتلكات الضحية, ولم يقتصر استئساد العشائر في المجتمع على الطبقات الضعيفة وتمردها على قوانين الدولة, بل وفي انتقال سلوكياتها الى الموظفين الحكوميين وتطبعهم بطباعها وتحول أجهزة الدولة الى توابع عشائرية, فيما لا يجد الكثير من الموظفين بدأ من الالتجاء للحماية العشائرية بعد عجز الحكومة وأجهزتها من توفيرها له لتأدية واجباته التي تتقاطع ومصالح العشائر وأعرافهم البالية، صلاحيات العشائر تتمدد على حساب صلاحيات الدولة وبدأ شيوخها بتنصيب أنفسهم أمراء في مناطق نفوذهم, وربما حلموا بإقامة إمارات على غرار إمارات آل خليفة وآل ثاني وربما كآل سعود أيضا, ولم لا وهنالك من يسعى لإضعاف مؤسسات الدولة والاستقواء بهم رغم رفعه لشعارات دولة القانون والمؤسسات فيما يقودنا الى إقامة الدولة القبلية المتخلفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق