~من الناس من يكتفي بأخذ حقه سواءٌ أكان الحقُّ حقاً مادياً أم معنوياً ومنهم من يتجاوز حدود حقّه بل متطاولاً على حقوق الاخرين متشبّثاً بكلِّ السُبُل.. منطقُه بالتفكير ليس بما يستحق من الأخذ بل بما يتمكّن أن يأخذ وكلّما اتيحت له الفرصة بالاستفادة كلما تطاول أكثر..
يبدأ بأخذ حقّه وقبل الاخرين الذين يسبقونه بالزمن وبالحاجة ثم يتجاوز لأكثر مما يستحق ثم يتّسع لدوائر معارفه بأخذ ما أمكنه بغير وجه حق؛ حتى ينغمس بالابتزاز ويتفنن بالذرائع مما لا يوقفه عند حد.. متوسّلا مرةً ومحتالاً ثانيةً ومهدّداً ثالثة.. بذلك يكون مصدرَ شرٍّ على من لا يُكرمه أو لا يُلبي حاجته.. حتى يبلغ الابتزازُ أقصى مداه حين لا يتورّع في سَوق الاتهام وبأبشع صورة على كل من لا يستجيب له.. وَمِمَّا يلفت الانتباه أنَّ طلباتِه لا تتناسب مع حاجته بل مع جشعه.. والمستجيبون له بين مشتبهٍ به أو متجنبٍٍّ لشرّه عملاً بقول الرسول (ص): "شرّ الناس يوم القيامة, الذين يُكْرمون اتّقاءَ شرِّهم"..
ومشكلة هؤلاء أنهم لا يتجاوزون على حق من يطلبون منه ومن ماله الشخصي فحسب ولو كان الامر كذلك لهان ذلك؛ إنما هو تجاوزٌ على الحق العام والذي لا يملك المسؤول نفسه حق التصرف فيه كالتعيين أو النقل أو منح درجة أو غضّ النظر عن مفارقةٍ قانونيةٍ معيَّنة أو التمتع بامتيازٍ معيّن.. من مشاكل هؤلاء أنَّهم لا يفكرون إلا باتجاه واحد هو الوصول الى الهدف الذي يريدون ليس إلّا.. حين يُركَّب العقلُ بالطريقة الابتزازية سرعان ما يتحوّل الى ديدنٍ لا يقوى على الخروج عنه حتى لو توفرت له فرص العمل فهو لا يفكّر كيف يُنتج ليأكل من كدِّ ذراعه إنما يحصر تفكيره بالتحايل المتواصل على المتمكّن ماديّاً تلو الاخر..
غير أنَّ الحكمَ على كلِّ محتاج بالتحايل أو الابتزاز حكمٌ ظالم لا وجه له من الصحة فهناك وجهٌ آخر من المحتاجين وهو من التعفُّف ما يعكس غنى النفس رغم فقر المال }يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا{ وهو ما يستدعي عدم اتهام المحتاج بالابتزاز أو التحايل.. في الوقت الذي تستحث فيه المحتاج أن يسلك سبيل العفة في الطلب وتجنب الالحاح الذي يؤدي به الى التوهين بنفسه..
مثل هذه الظاهرة قد لا تقف في ضررها عند حدود المبتزين بل قد تتسبب بقطع سبيل المساعدة بحق الاخرين ممن يستحقونها.. عندما يعتمد المبتز منطقه في الاستغلال من أيِّ شخص يكون كمن اغتصبه وانتزع منه ما يريد بالقوة "المأخوذ حياءً كالمأخوذ غصباً".. ليس بديلا عن منطق الابتزاز في تحقيق أي هدف الا "منطق الاقتناع" القائم على أساس مشروعية الطلب مع إمكانية الاستجابة وبعدالة التعامل مع المجموع..
مثل "منطق العدل" هذا هو "البديل المرتقب" لبناء المؤسسات بل المجتمعات حتى يأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه ويسود العدل الاجتماعي المنشود.. أن يكون الفقر ظاهرةً في أي مجتمع فهو ضرَرٌ يستدعي معالجته بكل السبل وهو ما عبّر عنه أمير المؤمنين عليه السلام "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" أما أن يكون الظلم متفشياً بالمجتمع فهو مدعاةٌ للثورة عليه.. لأن في ظلِّ الظلم تتضرر شرائح واسعة من المظلومين وتحمل نذير تحوّلٍ لا يمكن معه أن يصبر الشعب عليه وبالتالي لن يدوم حكم الظلم "العدل أساس الحكم" و "الكفر يدوم والظلم لا يدوم"..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق