الثلاثاء، 12 يوليو 2016

الليلة الباكية


فيما تكون الكرادة مكتظةً بزحمة روّادها الآمنين قُبيل عيد الفطر وهم يرتادون سوقَها العامر؛ واذا بهم على موعدٍ مع قدرٍ مشؤوم أطبق عندها حمام الموت عند الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل ليمزّق أنسجةَ أجسادِهم الطاهرة وهم في غمرةِ فرحٍ امتزجت فيه مشاعرُ أماسي رمضانية مزدانة بالطاعة ومتفاعلة مع مشاعر العيد الوشيك وما يداعبهم من تمنيات طفولة متطلعة وتلقّيات ابوّة حانية؛ عادة ما يجتمع شمل الاسرة برمتها بركنها الأبوي المعطاء وأفراد طفولتها الساحرة وشبابها من ذوي الابتسامة المشرقة وكبارها الذين كسرو جمود الكسل بحراك متكلّف؛ لتتطاير أشلاؤهم في فضاء السوق بدوّي خاطف لم يعرف له نذير مسبق ولم يفلت من أثره حاضر؛ ليرديهم ضحايا ويتركون ثكالى بلا عدد ويخلّفون مواسين بلا حدود..
لم يكن يوم السبت كبقية "السُبُوت"
انه قُرِن برحيل موكبٍ جنائزي مُني بخطبٍ جلل وهو يعرجُ الى السماء في جمعٍ مهيب تختلط فيه دماءٌ طاهرةٌ يجمعها التوجُّه الرمضاني المنقطع الى الله؛ والمتطلع لتجديد الفرحة بالعبادة والنصر المؤزر ضد أعداء الانسان من وحوش الدواعش ويشقّ صوت الانفجار المروّع سكون تلك الليلة الحزينة ليبعث رسالة رعبٍ لجميع ابناء البشر من كلّ ارجاء العالم جرّاء كارثةٍ حلّت في العراق وفي مدينة الكرادة وانها قابلةٌ أن تحلَّّ في أيِّ سوقٍ وبأي بلد؛ وأنها بحجم الانسانية كلها بطفولتها وأمومتها وفتوتّها وشبابيتها وكهولتها وشيخوختها..
رسالةٌ مفادها ألّا مكان في العالم في مأمنٍ من الارهاب ولا استثناء للحم أي انسان من دون ان تنهش فيه انياب ذئابه؛ ومثلما ساد لون الدم الأحمر على الضحايا في ساحة "السوق الكرادي المنكوب" ليسود على إثره اللون الأسود على كلِّ المحزونين في ساحات العراق من شماله الى جنوبه؛ وتتردد كلمات التعازي بالفجيعة الجلل بدل التهنئة "المسروقة"؛ من خارج الحدود..
ستبقى وشائج العلاقة العراقية المشهودة بامتداد طفولتها البريئة في المدارس عبوراً الى كهولتها الرشيدة تبقى نازفةً لوقتٍ يطول دون ان تبارح ذاكرتها الحزينة أو تقاوم آثارها الناحتة في الذاكرة؛ وستنشر ظلّها الممتد على معاشر  الأصدقاء لكل الضحايا..
هَذه رسالةٌ من "كرّادة العراق" الى عالمنا المعاصر في كلّ أرجائه من أننا ندفع ثمن إنسانيتنا لأننا نحب! ولأننا نتمنى الخير! ولأننا نريد إعمار بلدنا! ولأننا نتسع بقلوبنا لكل بني الانسان! ولأننا نحتضن التنوعات! ولاننا نتطلع الى العدل! ولان قلوبنا تصافح كل قلوب بني البشر من دون تمييز! ولأننا نرفض الاٍرهاب! ونرفض الدكتاتورية!.. نحن العراقيون في خط المواجهة الاول في الدفاع أصالةً عن بلدنا وكرامتنا وسيادتنا ونيابةً عن كلّ الانسانية في بلدان العالم وبجميع قارّاته ونوجّه للاسرة البشرية برمّتها رسالة الاستغاثة والمسؤولية في مواجهة الارهاب بكل أحقاده وثقافته ونزعته التدميرية متعشمين فيها أن تتحمل واجبها الانساني والتاريخي والوقوف صفاً واحداً لمواجهة خطره السرطاني الفتّاك..
ما من لوحةٍٍ دمويةٍ أكثر وضوحاً في وحشيتها "كلوحة الكرادة" وسيبقى يوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك "يوم الكرادة الباكي" يوم العراق الحزين وإنه ليذكّر بأيامٍ خلت في التاريخ كيومِ حلبچة عام 1988م ويومِ حريق روما الشهير عام 64م ويومِ هيروشيما 1945م وبعده يَوْم نكزاكي وبأيامٍ داميةٍ أخرى!!.. الجريمةُ هي الجريمة والضحية هي الضحية؛ أيُّ فكرٍ هذا الذي يغذّي هؤلاء وأيّ فقهٍ هذا الذي يُبيح لهم ذلك!! تبقى مصيبة كربلاء عام 61 هـ  يتيمة المصائب.. ودرس الطف هو الأبلغ في تلقِين الظالمين درساً لن يُنسى على طول التاريخ.. وهو أنّ الشعوب التي تُظلم لن تسكت وانها لا محالة ستنتصر عن قريب بإذن الله.. وأنّ ردهّها كبيرٌ  وواسعٌ كبر فعلها وسعة حجمها.. "ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمُ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"..
 http://beladitoday.com/?iraq=%C7%E1%E1%ED%E1%C9-%C7%E1%C8%C7%DF%ED%C9--&aa=news&id22=65181

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق