الاثنين، 25 أبريل 2016

زاد الثقة ومحصلة الثبات

~يتغذى الانسان على الثقة التي تتوفر له في البيت منذ طفولته وحين تأخذ نفسه حصةً كافيةً منها لا تستطيع أية قوةٍ مهما بلغت أن تنتزعها منه.. زاد الثقة هذا لا يبلغ مداه الأقصى ما لم تتوفر له عناصر الوضوح بما يريد والايمان بما يتمسك به والاستعداد للتضحية من أجله.. ليس من السهل ان تمنح الثقة لايّ شخصية من خارجها ما لم تنبعث نفسه من داخلها وما لم تكن قد ترسَّخت ومنذ وقتٍ مبكِّر من العمر.. وهو ما يشير الى دور العائلة في زرع بذورها ورعايتها بشكلٍ مستمر من خلال أجواء البيت المفعمة بالحب والاحترام لكل أفراد الاسرة وتجنب أيّ نوع من أنواع التوهين وعدم الاحترام  للطفل خصوصاً أمام الاخرين..
رصيد المال ورصيد العلم ورصيد السمعة وكل الارصدة مهما بلغت فهي محدودة لكن رصيد الثقة بالنفس والمستمد من الثقة بالله تعالى رصيد غير محدود هو الذي يمدّ المقاتل في جبهات المواجهة بطاقةٍ معنوية هائلة.. كما يمد الأسير في سجون التعذيب وتحت سياط الجلّادين بطاقةٍ من الصبر غير محدودة.. ويمد المتصدي في العمل الاجتماعي لمواجهة الأباطيل المزيفة ورفض الإغراءات المتنوعة بطاقة ثباتٍ لا تنفد.. ويمنح كلّ من يعاني من اصحاب التحديات المختلفة بطمأنينة متميزة تجعل أصحابها لا  يهزمون..
الواثقون بالله والمصممون على السير في الطريق الصعب تعلقت ارادتهم بأهدافهم واسترخصوا كلَّ شيء لنيل تلك الأهداف.. يبقى زاد الثقة أغنى من كل زاد وسرّه في تحقيق النجاح أبلغ من كلِّ سر..
المتصفون في قوة اجسامهم وفي جمال اشكالهم وفي رصيد اموالهم وفي حجم شهرتهم وفي مواقع سلطتهم في الحكم يتعرضّون الى تغيّراتٍ بين حين وآخر لأن صفاتهم هذه نابعةٌ من خارج إرادتهم على عكس الذين يستمدون ثقتهم بالله ومن داخل أنفسهم تراهم في قوة رغم ضعف البدن والشكل والمال والمكانة الاجتماعية.. ما يكسبهم خطىً ثابتةً في السير في دروب الحياة رغم منعرجاتها الحادة.. وينشرون ألوية السلام ويعبقون بعطر المحبة.. }وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا{
عن الصادق عليه السلام قَالَ : "يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ فِيه ثَمَانُي خِصَالٍ : وَقُورٌ عِنْدَ الْهَزَاهِزِ صَبُورٌ عِنْدَ الْبَلَاءِ شَكُورٌ عِنْدَ الرَّخَاءِ قَانِعٌ بِمَا رَزَقَه اللَّه لَا يَظْلِمُ الأَعْدَاءَ ولَا يَتَحَامَلُ لِلأَصْدِقَاءِ بَدَنُه مِنْه فِي تَعَبٍ والنَّاسُ مِنْه فِي رَاحَةٍ"..
وجميلٌ تصوير الشاعر ابراهيم ناجي في رائعته بأنّ ثقةَ الانسان بنفسه هي  العطر الذي انتشر من مكانه رائحةُ الطِّيب..
واثق الخطوة يمشي مَلَكاً
عابق الطرف كانفاس المساء
حين تتأصل الثقة ويتعاظم رصيدها ستنشر ظلها في أي مجالٍ يتصدّى فيه صاحبها وستلوح معالمها بشكلٍ مميّز.. لكن النفس المشبعة بالثقة ما لم يعادلها التواضع لله تعالى قد يتملكها الغرور الذي يجتاحها من داخلها.. موجات المدح والاغراء التي يتعرض لها الانسان من خارجه قد لا تولّد فيه الغرور ما لم تتحرك نفسه من داخله بعد أن تتشبع بالرضا عن الذات وتمييزها على الناس وهي ما تحتاج الى معادل تربوي يذكرها بنواقصها وفضائل ذوات الاخرين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق