جُنَّ جنون العواصم الإمبرياليَّة وأتباعها في المنطقة، مؤخّراً؛ فراحوا يلوِّحون، مِنْ جديد، بالتدخّل العسكريّ المباشر في سوريَّة، متذرّعين بحجّة الأسلحة الكيميائيَّة، على نحوٍ يذكِّر بالذرائع الزائفة .
وما مِنْ سببٍ واضح، لهذه العودة غير الميمونة للغة التصعيد والحرب، سوى الإنجازات الملموسة، التي أصبح يقرّ بها الجميع، للجيش العربيّ السوريّ، في إعادة بسط سيطرته على أراضي بلاده. الأمر الذي أصبح يؤذن، بوضوح، بانهيار المشروع الأطلسيّ – الرجعيّ العربيّ للهيمنة على سوريَّة، وتحويلها إلى مجرّد دولة أخرى من الدول التابعة في المنطقة، وتقسيمها، وضرب قوَّتها العسكريَّة والاقتصاديَّة؛ والاستفراد بالمقاومة اللبنانيَّة، مِنْ ثمَّ، وضربها وتصفيتها نهائيّاً؛ كي تصبح "إسرائيل" في مأمنٍ تامّ مِنْ أيِّ تهديد جدّيّ إلى أمدٍ طويل، وتعود، مرَّةً أخرى، إلى الاضطلاع بمهامّ دورها كشرطيّ متقدِّم في المنطقة للمراكز الإمبرياليَّة الغربيَّة.
هذا التراجع الكبير الذي مُنِيَتْ به قوى الحرب الإمبرياليَّة بالوكالة على سوريَّة، دفع بعض الأطراف الداعمة للحرب إلى إعادة حساباتها والتراجع خطوات إلى الوراء؛ حيث أصبح الأتراك، على سبيل المثال، أكثر تحفّظاً في حديثهم عمَّا يجري في سوريَّة، وأكثر حذراً في ممارساتهم المتعلّقة به. وبالتالي، من العجيب، في المقابل، أنْ تبرز، في ربع الساعة الأخير، هذا، مؤشِّراتٌ مقلقة على احتمال انزلاق الأردن الرسميّ إلى آتون الحريق السوريّ. لو حدث هذا – لا سمح الله – فإنَّه سيكون مقامرة خطيرة بالكيان الوطنيّ الأردنيّ لصالح "إسرائيل"، وسيعود على شعبنا بالكثير من الويلات والآلام. فالحرب لن تكون، هذه المرَّة، محدودة وآنيَّة؛ بل ستتحوَّل، سريعاً، إلى حرب إقليميَّة شاملة وكارثيَّة، وسيطول أمدها، وستُلحق بشعوب المنطقة ودولها دماراً غير مسبوق، ولن تنتهي إلا بإعادة رسم الخرائط على نحوٍ جذريّ، وسيكون الأردن هو الضحيَّة الأبرز لهذه العمليَّة.
هذا الخطر أصبح ماثلاً للعيان، الآن، بسبب تزايد الضغوط وأعمال الابتزاز الأميركيَّة والخليجيَّة، التي مورستْ ضدّ الأردن. ومن الواضح، أيضاً، أنَّ "إسرائيل" تخلَّتْ عن صمتها الزائف، أخيراً، وأصبحتْ تعبِّر، بصراحة، عن قلقها الشديد من المسار الذي اتِّخذه الصراع في الأسابيع الأخيرة، لتدعو، مِنْ ثمَّ، علناً، إلى التدخّل العسكريّ المباشر في سوريَّة، بهدف الحيلولة دون إلحاق الهزيمة العسكريَّة التامّة بحلفائها الموضوعيّين والفعليّين هناك. لكن يجب أنْ لا ننسى، أيضاً، دور التيَّارات والقوى المحليَّة التي ظلَّتْ، طوال السنتين الماضيتين، تدعو الأطلسيّ وأتباعه في المنطقة إلى التدخّل العسكريّ المباشر في سوريَّة، وشنَّتْ، في السياق نفسه، حملةً شعواء على روسيا والصين لأنَّهما عطَّلتا إمكانيَّة اتِّخاذ أيّ قرار في مجلس الأمن الدوليّ يمنح "الشرعيَّة الدوليَّة" لمثل هذا التدخّل. وبالنتيجة، ها هي القوّات الأميركيَّة قد شرعتْ بالتمركز، علناً، على الأرض الأردنيَّة، مستفيدةً من المناخات الموبوءة التي صنعها دعاة التدخّل في سوريَّة. والطريف أنَّ بعض هؤلاء أصبح يتَّخذ لنفسه، مؤخَّراً، سمت المعارض لوجود القوّات الأميركيَّة على الأرض الأردنيَّة، نفاقاً، عندما رأى عِظَمَ المعارضة الشعبيَّة الأردنيَّة لمثل هذا الوجود، متغافلاً عن مساهمته الكبيرة في الوصول إلى هذه النتيجة المأساويَّة. نأمل أنْ لا تكون صيحات الحرب والتصعيد الهستيريَّة، التي شرع الإمبرياليّون وأتباعهم بإطلاقها في الآونة الأخيرة، أكثر مِنْ كونها عمليَّة أخرى مِنْ عمليَّات الحرب النفسيَّة لرفع معنويَّات مقاتليهم بالوكالة في سوريَّة كلّما تضعضعتْ. لأنَّه، خلاف ذلك، سيكون الأمر نوعاً من الجنون المطبق وستكون عواقبه وخيمةً جدّاً على الجميع .
مقالات للكاتب سعود قبيلات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق