~في معظم الأوقات نحن ندفع أيامنا وأوقاتنا، كما ندفع غيمة ثقيلة تطبق
على أنفاسنا، وفي معظم الأوقات أيضاً نحن نعتاد على وجود تلك الغيمة، فنمرر
الوقت -كيفما اتفق- وبكل تفاصيله، بهجته وكآبته، ضجيجه وفراغه، ومثلما
نعتاد على أشكالنا وصورنا وأشكال أصحابنا وأسمائهم وتصرفاتهم، فإننا نعتاد
على عيوبهم وحسناتهم، سيئاتنا ومزايانا.
عندها تصبح الأشياء كلها كنسيج سجادة ثمينة، لا ندقق في كل خيط وكل خط فيها، ولكننا نعتاد صورتها الجميلة بكامل رونقها وتناسقها، ثم نحبها ونعتدُّ بها ونتباهى بها، لأنها ثمينة كحياتنا ومختلفة كشخصياتنا، من دون أن نسأل: ألا يمكن أن يكون هناك ما هو أجمل؟
ذات يوم التقيتها في أحد ممرات متجر ضخم لبيع الكتب، كانت مختلفة تماماً عما اعتدته، كانت أكثر رشاقة وأكثر شباباً، لم أُبْدِ أي استغراب أو دهشة، لكنها بادرت سريعاً إلى سؤالي عن رأيي في رشاقتها، أبديت إعجابي، وأسهبتْ هي في شرح الظروف الصحية التي جعلتها تفقد الكثير من وزنها.
لكنها لم تنسَ في نهاية حديثها معي أن تؤكد أمراً لم يغادر ذاكرتي قط، قالت: «حتى لو لم تكن هناك ظروف صحية، فأنا سعيدة بهذه النتيجة، لقد تحررت»، قالت في نهاية كلمتها وغادرت!
فهمت أنها كانت مسجونة في ذلك الجسد الضخم الذي كانت ترزح تحت ثقله، صحيح أنها اعتادت عليه كما نعتاد جميعنا على كل شيء من دون أن نعيد التفكير فيه مرتين، وكالجسد نحن نسجن أنفسنا في الكثير من القوالب، في الأفكار، في العاطفة، في الانتماء، في المكان والجغرافيا.
وفي الكثير من القوالب الأخرى، الفرق أن السجن يصادرك ويسحب منك امتياز الحرية من دون أن يكون لك خيار الاختيار، أما هذه القوالب التي نسجن أنفسنا فيها فإننا نصادر حرياتنا باختيارنا، ثم نعتاد على ذلك، ولا نفكر في الأمر مطلقاً، وهذه هي الخطورة!
حين تحررت هذه الفتاة من سجن جسدها المادي تغيرت نظرتها إلى الحياة، للاستمتاع بها، لنظرتها وتقييمها للأشياء، اختلف رأيها كثيراً في السفر والبحر والثياب والأناقة ومعاني البهجة والأصدقاء ومتع الحياة، صار هناك انفراج كبير في زاوية الرؤية، وهذا هو تحديداً ما تمنحنا إياه الحرية، حريتنا في الانتقال والتغيير والحب.
ألا يختلف الأمر بين حالة الركود في مكان واحد (بيت، وظيفة، مدينة) طيلة العمر، بحيث لا نرى إلا المشهد نفسه والجارة نفسها ورب العمل وزملاء العمل أنفسهم، وبين الانطلاق والتجربة والسفر والحرية؟
كل ما يتطلبه الأمر هو أن نفيق من غيبوبة الاعتياد التي نسجن أنفسنا فيها، لأن الإنسان صديق عاداته، فهو يأنس ويرتاح لكل ما يتعود عليه، الاعتياد شكل آخر للأمان، وللكسل أيضاً، وكذلك للجهل، مع ذلك فنحن ننحاز لما نعرف ونخاف مما نجهل، وهنا تحديداً يحدث الخلل وتتراكم جدران السجن من دون أن ننتبه إلا بعد مضي الوقت، وأحياناً بعد فوات الوقت!
عندها تصبح الأشياء كلها كنسيج سجادة ثمينة، لا ندقق في كل خيط وكل خط فيها، ولكننا نعتاد صورتها الجميلة بكامل رونقها وتناسقها، ثم نحبها ونعتدُّ بها ونتباهى بها، لأنها ثمينة كحياتنا ومختلفة كشخصياتنا، من دون أن نسأل: ألا يمكن أن يكون هناك ما هو أجمل؟
ذات يوم التقيتها في أحد ممرات متجر ضخم لبيع الكتب، كانت مختلفة تماماً عما اعتدته، كانت أكثر رشاقة وأكثر شباباً، لم أُبْدِ أي استغراب أو دهشة، لكنها بادرت سريعاً إلى سؤالي عن رأيي في رشاقتها، أبديت إعجابي، وأسهبتْ هي في شرح الظروف الصحية التي جعلتها تفقد الكثير من وزنها.
لكنها لم تنسَ في نهاية حديثها معي أن تؤكد أمراً لم يغادر ذاكرتي قط، قالت: «حتى لو لم تكن هناك ظروف صحية، فأنا سعيدة بهذه النتيجة، لقد تحررت»، قالت في نهاية كلمتها وغادرت!
فهمت أنها كانت مسجونة في ذلك الجسد الضخم الذي كانت ترزح تحت ثقله، صحيح أنها اعتادت عليه كما نعتاد جميعنا على كل شيء من دون أن نعيد التفكير فيه مرتين، وكالجسد نحن نسجن أنفسنا في الكثير من القوالب، في الأفكار، في العاطفة، في الانتماء، في المكان والجغرافيا.
وفي الكثير من القوالب الأخرى، الفرق أن السجن يصادرك ويسحب منك امتياز الحرية من دون أن يكون لك خيار الاختيار، أما هذه القوالب التي نسجن أنفسنا فيها فإننا نصادر حرياتنا باختيارنا، ثم نعتاد على ذلك، ولا نفكر في الأمر مطلقاً، وهذه هي الخطورة!
حين تحررت هذه الفتاة من سجن جسدها المادي تغيرت نظرتها إلى الحياة، للاستمتاع بها، لنظرتها وتقييمها للأشياء، اختلف رأيها كثيراً في السفر والبحر والثياب والأناقة ومعاني البهجة والأصدقاء ومتع الحياة، صار هناك انفراج كبير في زاوية الرؤية، وهذا هو تحديداً ما تمنحنا إياه الحرية، حريتنا في الانتقال والتغيير والحب.
ألا يختلف الأمر بين حالة الركود في مكان واحد (بيت، وظيفة، مدينة) طيلة العمر، بحيث لا نرى إلا المشهد نفسه والجارة نفسها ورب العمل وزملاء العمل أنفسهم، وبين الانطلاق والتجربة والسفر والحرية؟
كل ما يتطلبه الأمر هو أن نفيق من غيبوبة الاعتياد التي نسجن أنفسنا فيها، لأن الإنسان صديق عاداته، فهو يأنس ويرتاح لكل ما يتعود عليه، الاعتياد شكل آخر للأمان، وللكسل أيضاً، وكذلك للجهل، مع ذلك فنحن ننحاز لما نعرف ونخاف مما نجهل، وهنا تحديداً يحدث الخلل وتتراكم جدران السجن من دون أن ننتبه إلا بعد مضي الوقت، وأحياناً بعد فوات الوقت!
مقالات للكاتب عائشة سلطان
http://beladitoday.com/?iraq=%C7%E1%D0%ED%E4-%ED%D3%CC%E4%E6%E4-%C3%E4%DD%D3%E5%E3&aa=news&id22=62333
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق