الاثنين، 19 أكتوبر 2015

الإعلام الذي لا يلاحق حضور دولته في زمن الأزمة إعلام مقصر

 
~ولكن ما أراه عندكم هو هذا المرض الذي وقعتهم به بحُرُوب دامية بين البروتستانت والكاثوليك.. يبدو أنـَّكم لم تتعلموا من تاريخكم، وتـُريدون أن تـُصدِّروها إلينا.
من مصلحة العراق الدخول في محاور ؟
الجعفري: عندما تكون هناك مصلحة ندخل في محور بشرط أن لا يكون ردَّة فعل، ويجب أن يكون محسوب النتائج.
هل العراق قادر على إنشاء محور اليوم ؟
الجعفري: هو مُبادِر.. تعلم أنَّ العراق يحتلُّ الموقع الأوَّل في خط المُواجَهة مع داعش؛ ومن ثم القضيّة ليست قضيّة قرار إنـَّما هي واقع.
عندما نتحدَّث عن التحدِّي، واحتمال الموجات التي تتسرَّب من هنا، وتنعكس على دول العالم ستـُوجِّه بوصلتك إلى العراق، وعندما تنظر إلى تجربة العراق الآن ستجده يُحافِظ على العمليّة السياسيّة، ويُحافِظ على التنوُّع السياسيِّ، ويبقى موجوداً على الأرض رغم كلِّ التحدِّيات، ويتقدَّم إلى الأمام، ويُحافِظ على نظامه، وعلى وضعه رغم كلِّ الصُعُوبات.
هذه الصُعُوبات ليست وليدة هذه السنة 2015 إنـَّما هي تراكـُم حالة انفصلت من القاع السياسيّة قبل سنين، والآن طفت على السطح.. هذا واقعنا نحن نعلم به، ومع ذلك نحاول أن نـُقدِّم الحُلول تلو الحُلول إلى أن نـُخفـِّف المُعاناة على الشعب العراقي.
سليم الجبوري قال: ليس من حقِّ التحالف الرُباعيِّ الدخول إلى العراق إلا بمُصادَقة البرلمان. هل دخول التحالف الدولي بهذه الصورة له أساس قانوني. كلُّ دول العالم التي أرسلت طائراتها، ومُساعَداتها صوَّتت برلماناتها إلا العراق الدولة التي احتاجت الآخرين لم يُصوِّت برلمانها على أيِّ تحالف آخر ؟
الجعفري: نحن ما تصرَّفنا خارج الدستور بغضِّ النظر عن تفاصيل هل هي العودة إلى مجلس الوزراء، أم رئاسة الجمهوريّة، أم البرلمان، وهي ليست رُؤُوساً مُتعادية، بل هي مُتآخية، ومُتكامِلة مع بعضها، أي: إننا لا نـُعاني من أزمة انفصام بين إرادة البرلمان، وإرادة الأجهزة التنفيذية.
عندما طـُرِحَ العام الماضي هذا الموضوع في نيويورك تداولنا بالتلفون بشكل مُكثـَّف بيني وبين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى أن صُغـُنا الطلب العراقي من رئيس مجلس الأمن، وحدَّدنا الشُرُوط التي نـُريدها.
لماذا لم تسيروا على أن يكون التصويت في البرلمان العراقي ؟
الجعفري: ليس لدينا مُشكِلة إذا كان الدستور يُملي علينا أن تكون مرجعيّـتنا بهذا القرار للبرلمان، ليس لدينا أزمة.. البرلمان هو الذي اختار هذه الحكومة.
لكنَّ البرلمان صوَّت على الاتفاقـية الأمنية بيننا وبين الولايات المُتحِدة، وعندما تطير طائرات بلجيكا لا أساس قانونياً لها ؟
الجعفري: نحن نحترم كلَّ المرجعيّات الدستورية، والبرلمانية، وليس لدينا شيء يقتضي أن نخرق هذا العُرف.
عندما تقتضي المسألة نذهب إلى البرلمان، وإذا تطلـَّب الأمر أن نحضر في البرلمان نـُوضِح مُبرِّراتها، ونستمع لإخواننا، ثم نبتّ.
كيف يُدافِع العراق عن سيادته، وليس لديه الأدوات ؟
الجعفري: كلُّ ما طلبناه من التحالف هو الغطاء الجوي بالدرجة الأساسية، ثم بعد ذلك جاء المُستشارون، والتدريب، وغير ذلك.
نحن أردنا بالدرجة الأساسية تأمين الغطاء الجوي، ولما بدأ طيران التحالف كانت هناك فرصة تقدُّم لقواتنا أحسن، وأقوى.
هذا التحالف الرُباعي يُقوِّي بشار الأسد.. هذه وجهة النظر الخليجية. لنقـُل: كيف يُقوِّي العراق بشار الأسد الذي ينتفض عليه جزء كبير من شعبه ؟
الجعفري: أنا لم أتناولها من زاوية مَعَ النظام أو ضدّه. أنا أتناولها من زاوية كوني عراقياً، ويُوجَد خطر داعش على المنطقة، ولا يُمكِن التفكيك بين الساحة السورية والساحة العراقـية، أما أنَّ النظام يستفيد منها فليستفِد منها.. هذه قضية تخصُّهم، ثم إنـَّنا لدينا موقف مُعيَّن تجاه سورية.. موقفنا من سورية واضح ومُحدَّد: نحن مع الشُعُوب، ومن خلال الشُعُوب نـُحدِّد موقفنا من الحكومات. عندما اجتمعت كلمة الشعب الليبي ضدّ معمر القذافي وقفنا مع الشعب الليبيِّ، وعندما اختلفت كلمة الشعب السوري على بشار وقفنا على الحياد.
نحن مع الشُعُوب، وليس من المصلحة أن نفتح معارك مع الأنظمة، ونضع الشعب السوري تحت مطرقة القوات المُسلـَّحة وسندان الإرهابيِّين.
مضت أربع سنوات، ودخلنا الآن في العام الخامس. ماذا كانت النتيجة ؟
المُستفيد الأكبر هو داعش، وقد فرَّخت، وامتدَّت، وكان العراق أكثر دولة تضرَّراً بعد سورية.
علاقتنا مع إيران حيَّرت الجيران والبلدان، والولايات المُتحِدة الأميركية، وحيَّرت الشعب العراقي.. هل نحن تابعون لإيران، أم نِدٌّ لإيران، أم جيران لإيران. لماذا تتفاوض إيران على العراق في الملفِّ النوويِّ كما يُشاع.. لماذا تتدخـَّل في تسمية مَن يكون رئيس وزراء، ومَن يكون مُحافِظاً ؟
الجعفري: أمّا أن يكون العراق جاراً لإيران فأعتقد أنَّ هذه صحيحة.
إيران تقع شرق العراق، مثلما يقع العراق شرق السعودية، أو السعودية غرب العراق هذه حقيقة جغرافية، والحقيقة الجغرافية لا تتبدَّل، ويُضاف إليها المصالح المُشترَكة، والمخاطر المُشترَكة، والمصادر الحيوية كالمياه، وغير ذلك كثير.
هذه تترتـَّب عليها استحقاقات، ونحن لسنا في أزمة تعامُل مع إيران، كما أنـَّنا لسنا في أزمة تعامُل مع تركيا، ومع دول الخليج، والدول الأخرى.
أمّا أن يقولوا: إيران تتدخـَّل، أو إنَّ بعض الدول تتدخـَّل مُباشَرة في اختيار رئيس الوزراء فهذا ما قالته إيران في العراق.
في 2005 ؟
الجعفريّ: نعم في 2005 و2006 و2007 و2008 كانوا يقولون هذا الكلام، يُسمعونه للبعض، وليس لي، ولكننا نسمعه.
ألا يكون الجعفري رئيساً للوزراء ؟
الجعفري: أياً كان يقبلون ويعترضون.. هل تستطيع أن تعترض على مُوظـَّف في المطار.. أنا لا أخاطب هؤلاء إنما أخاطب إخواني العراقـيِّين.. هل تقبل أن يأتي أحد، ويُسمِعَك بأنه يقبل فلاناً رئيساً للوزراء، ولا يقبل غيره.. مَن هو لِيتحدَّث كذلك ؟
الإيرانيّون يقولون هذا الكلام.
الجعفري: لماذا أنت مُصِرٌّ على إيران.. تابع الذين تكلـَّموا بذلك مُباشَرة.. دول المنطقة كلـُّها تكلـَّمت هذا الكلام.. لا أحد يستطيع أن يقول هذا الكلام لأيِّ شخص لو لم يجدوا لديه استعداداً لأن يتقبَّل هذه الثقافة.. لو لم يكن في هذا الشخص ضعف لما سمح للآخر.. هذه نقاط ضعف على المُستمِع، وليس على المُتكلـِّم فقط.. إن كان هذا يحترمني لا يستطيع أن يقول هذا الكلام أمامي.. هل تدخـَّلنا بسيادته، وبدستوره ؟ أنا لا أستطيع أن أعترض على مُوظـَّف بالمطار.. لماذا يقول لي: أقبل بفلان، ولا أقبل بفلان؟!
علينا أن لا ننتظر عالماً بلا تدخـُّل، ولكننا نتطلـَّع لعراق مُمتنِع، وكفوء، ولا أحد يتدخـَّل فيه.
إيران تتدخـَّل فيه ؟
الجعفري: لا تتدخـَّل، ولا من مصلحتها أن تتدخـَّل.
إيران ليس من مصلحتها أن تتدخـَّل ؟
الجعفري: إيران يقولون: لا نقف عند شخص مُعيَّن، وهذه قضية عندكم.
ولكنهم كانوا يُميلون كفة شخص على آخر.. عندما يحضر قاسم سليماني وشمخاني، وتذهب الوفود العراقـية إلى إيران، واجتماعات في طهران، ولقاء بالمُرشِد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، ومُبارَكة المُرشِد الأعلى.. كلُّ هذا يعدُّه الآخرون تدخـُّلاً ؟
الجعفري: من حقهم، ومن حقِّ كلِّ دولة أن تشعر أنَّ رئيس الحكومة الذي يأتي تكون لديه سياسة من جملتها حفظ الجوار، وإبعاد الأشباح التاريخية، والأزمات التي كانت سابقاً.. بهذا القدر لا أرى فيه شيئاً، ولكن أن يكونوا أتوا بفلان وزيرا، او اعترضوا على فلان رئيس وزراء، فهذا ليس صحيحاً، نعم.. أنا أعرف أنَّ البعض رَوَّجَ هذه الكلمة بأنه أعطى ورقة خطيّة لإيران، وقال لهم: أنا مُستعِدٌّ لأن أفعل كذا، وكذا.
دعنا نبتعد عن هذا الجوِّ، ونصنع عراقاً عصيّاً على التدخـُّل.
ماذا فعلت إيران؟
الجعفري: ليس بيدها.
العراقي هو الذي بادَر ؟
الجعفري: العراقيُّ هو الذي يُبادِر.
مَن قدَّم الورقة هو الذي بادَر ؟
الجعفري: أحد الإخوة ليس معلوماً أنـَّه ذهب، ولكن وصلت هكذا ورقة.
لماذا لا تكشف عنه ؟
الجعفري: لا.. إذا أكشف عن كلِّ ما عندي سأصعقك.
اصعقني !
الجعفري: الحمد لله الذي حرَّم الكذب، وما أوجب الصراحة.. تـُريدني أن أغلـِّبَ -لا سمح الله- انفعالاتي. تـُوجَد مصلحة بلد. إذا كانت مصلحة البلد تقتضي السُكُوت أسكت، وعندما تقتضي مصلحة البلد أن أتفوَّه سأملأ الفضائـيات صراخاً.
لستُ ساكتاً لخوف، ولا جهل، بل أنا واعٍ لما يحدث، وجريء في أن أعبِّر عنه، ولكن ليس من وحي العُقدة، بل من وحي المصلحة.
الآن ليس وقت فتح جبهات، بل الأولوية الآن لحفظ وحدة الوطن، والحفاظ على الثروات، والحفاظ على وحدة الصفِّ، والكلمة، وتفويت الفرص على المُتلاعِبين على حبال الطائفية، والقومية، وتوجيه الجُهُود لتوفير ما يطلبه الجمهور.
وما هو حقيقة، وقبل أن يطلبه الجمهور هو يُوجَد فساد يجب أن يُعالـَج، وصرخنا بوجهه بكلِّ جرأة.. صرختُ بأنـَّه يُوجَد فساد، وتُوجَد جُيُوش من الفاسدين في المُؤسَّسات يُدافِعون عن الفساد. تكلـَّمنا به منذ سنين، وقلنا: تحوَّل الفساد في العراق إلى ثقافة، وأخطر شيء بالفساد عندما يتحوَّل إلى ثقافة.
ما معنى أن يكون ثقافة ؟
عندما يُريد شخص التعيين في أيّة وزارة ولتكن وزارة الكهرباء فبدلاً من أن يسألوه عن شهادته، وعمره القانوني، وسيرته الذاتية، وغيرها من المقاييس المُؤسَّساتية يسألونه: مَن تعرف في الوزارة، وإلى أيِّ حزب تنتمي، فتدخل في سوق الصفقات أعيِّن لك في الكهرباء، وتـُعيِّن لي في وزارة أخرى.
طمْئِنْ العالم أنـَّك عراقيٌّ ولستَ تابعاً لإيران. بعض التطمينات لقطر التي يقف تميم ويتحدَّث عن الحشد الشعبيِّ بسوء، ويقول: إنـهم مليشيات..
الجعفري: أنا عراقيٌّ.. قلتُ لهم في الأمم المُتحِدة: هذا الذي أسمعه منكم موجود في رُؤُوسكم، وغير موجود في الشارع العراقي.
أحبُّ أن أقول لك بلا غـُرُور: أنا أسمع بعض الإيرانيِّين يسألون أحياناً بعض العراقـيِّين عن رأيهم بأشياء هي شأن إيرانيّ كالملفِّ النوويِّ، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ العراق اخترق السيادة الإيرانية. هذا نـُضج.
التجاور الجغرافي غير مُتنافِذ، لكنَّ التجاور السياسي، والسُكَّاني، والديمغرافي، والعسكري مُتنافِذ.. عندما يختلُّ الأمن في العراق يقرع طبوله في إيران. إذا احترق بيت جارك ستهرع لإطفائه وفاءً للجار، وحتى لا تنتقل هذه النار إلى بيتك، فكيف بـ1300كم بين العراق وإيران. فإذا قلقت لوجود وضع أمنيٍّ في العراق، واحتمال أن ينتقل إلى إيران فهذا قلق معقول، ومشروع.
مشروع، ولكن أن يكون سليماني بهذا النفوذ في العراق فهذا غير مشروع ؟
الجعفري: لمّا يأتي مُستشارون من مُختلِف دول العالم إلى العراق ليس لدينا حساسية منهم.
المُستشارون لم يأتوا ليصطافوا في العراق، إنـَّما جاؤوا ليُعطوا وجهات نظر على الأرض، علاوة على ذلك أنَّ التحالف الدوليَّ تشكـَّل عام 2014، وقد وقعت الموصل بيد داعش قبل أن يتشكـَّل التحالف الدولي، وإلى أن مارَسَ الحَمَلات الجوية كان قد راحت علينا الكثير من الأشياء. فنحن لا ننتظر أن تنهار بقية المُحافظات، فكنا نـُرحِّب بكلِّ من يمدُّ يد المُساعَدة، ونـُرحِّب به، ونحيِّيه.
كانت طهران أوَّل المُساعِدين ؟
الجعفري: بادَرَت، ولو كانت مُبادَرة من الدول العربية، أو مُبادَرة تركية لكنا رحَّبنا بها أيضاً.
أتذكـَّر مشيك مع سعود الفيصل، ومسكك بيده في مُؤتمَر جدّة هل أتت ثمارها مع السعودية ؟
الجعفري: ليس في السياسة إمّا أن تحصل على كلِّ شيء، أو تخسر كلَّ شيء.
لو حصلنا على فتح السفارة هذا جيِّد.. هل أتت العلاقة ثمارها ؟
الجعفري: دعني أقول لك شيئاً: هم ثابتون على فتح السفارة، والتقيتُ عِدّة مرّات مع عادل الجبير وزير الخارجية، وهم مُصِرُّون عليها، ونحن نتعامل معهم بإيجابية.
أنا أعلم أنَّ عندنا مناطق التهاب ثانية وثالثة.. كدبلوماسيٍّ عليك أن تمنع امتداد الالتهابات والنيران من مساحة إلى مساحة أخرى حتى لا تـُحرِق بقـية المساحات. هذا لا يعني أنك راضٍ على ذاك الشيء، ولكن يجب أن تضع أولويات في المُواجَهة، وأولويات في المصالح.. ليست المسألة إمّا علاقة أو لا عَلاقة.
يُوجَد شيء اسمه أولويات.. السعودية في ذاك الوقت وقفت وقفة جيِّدة، ونحن حاولنا أن نـُقرِّبهم أكثر، وعملنا بعض الأشياء شقت طريقها إلى الإعلام، وبعضها لا؛ لأنني لستُ مُتحمِّساً جدّاً للإعلام.
انظر الآن إلى عمل الخارجية.. الناس كلـُّها ترى المشهد العراقي في الأمم المُتحِدة، وجامعة الدول العربية، والتعاون الإسلامي، ومُؤتمَر باندونغ كنا الرقم الأوَّل -لا أقول الرقم الوحيد لكن الرقم الأوّل- وليس رقماً أوَّل بالتسلسل فقط، وإنـَّما بالحجم الأكبر بالفاعلية. أين الإعلام من ذلك ؟
التقصير منكم.
الجعفري: لا.. التقصير ليس منا. أنا أميِّز بين الإعلام، والإعلاميِّين.
المُؤسَّسات الإعلامية تختلف من واحدة إلى أخرى حسب مشاربها. الإعلاميِّون أولادي، والإعلاميات بناتي، وليس لدي مُشكِلة معهم، وأحترم وفاءهم لمُؤسَّساتهم، ولكن يُراد لها مكرسكوب.
بعض الأحيان أتصفـَّح جريدة من أوَّلها إلى آخرها، ولم أجد فيها شيئاً عن نشاط وزارة الخارجية، وكأنـَّها لم تكن في الأمم المُتحِدة، وكأنني لم أُلقِ خُطـَباً، ولا أجريتُ 56 لقاءً في نيويورك.
الإعلام مُقصِّر.. الإعلام الذي لا يُلاحِق حُضُور دولته في زمن الأزمة، وفي عمق المُؤسَّسات في العالم، وفي الأمم المُتحِدة هو إعلام مُقصِّر.
الدولة لا تـُتيح للإعلام أن يعرف ما يجري.
الجعفري: بالعكس. حين دخلتُ العراق قلتُ: الإعلاميّون حِصَّتي، وأنا أحبُّهم، وأنا إعلامي. هل تعلم أنَّ هناك 5000 إعلامي بقوا بلا عمل عندما حُلـَّت وزارة الإعلام.
ماذا كان مصيرهم ؟
في الحُكومة التي شكـَّلتها ربطتهم بوزارة الثقافة -هذا حقهم علي-، وأجريتُ لهم رواتبهم مُعزَّزين مُكرَّمين، وهم يستحقون الاحترام، وكنت أطمح لأن أحدث لهم إضافات أخرى ولكن الوقت لم يُسعِفني.
لا أحد يجعلني أتأزَّم إزاء أولادي، ولا من الإعلام... الإعلام مُهـِمٌّ، وهؤلاء أولادي.
أوجِّه لهم رسالة: أنا أحترم التزاماتهم بالمُؤسَّسات، وأحترم انتماءاتهم، وخلفـيّاتهم الانتمائـيّة، ولكن أرجو أن يجعلوا العراق الاهتمامَ الأوَّلَ بغضِّ النظر عمَّن هو المسؤول سواء كان رئيس الوزراء الأخ دكتور إياد علاوي، أم كان رئيس الوزراء الأخ نوري المالكي، أم جاء رئيس الوزراء الأخ حيدر العبادي.
بالنسبة لي عقدي مع الدولة، ولا يختلف مع اختلاف الأشخاص، نعم.. رُبَّما تكون هناك مسافة بين واحد وآخر، لكنَّ يستحيل أن تـُرسَم خارطة التعامُل مع العراق من خلال مَن يتصدَّى لرئاسة الوزراء.
أنا أعطي الدعم الذي يتناسب مع موقعه.. هذا عقد دستوريٌّ، وليس عقداً عاطفيّاً.
على الإعلام أن ينسلخ عن القضيّة العاطفيّة، ويتعامل مع العراق.
في هذا الظرف يجب أن نصطفَّ جميعاً.
هل وُضِعَت الأولويات أم لم تـُوضَع في الإصلاحات.. هل فتح الخضراء من ضمن الإصلاحات، وما الذي سيُؤثـِّر في ابن البصرة، وما أثره على النازحين، وما أثره على داعش ؟
الجعفري: تـُوجَد صيحات تعالت في التظاهرات، وأنا أعتقد أنـَّها جاءت مُتأخـِّرة.
نبَّهتني على قضية: تـُوجَد دول تقول يجب أن يحدث كذا، ويجب أن لا يحدث.. مَن اعترض عليك في 2006 ؟
الجعفري: كثير.. منهم من الدول الإقليمية، وحتى على الصعيد الدولي، وأنا شقشقتُ في أكثر من خطاب.
أنا أتشرَّف أن يكون لدى أعضاء البرلمان، ومسؤولي الكتل علاقات، وتردُّد على عواصم العالم بشرط أن يُمثـِّلوا العراق هناك، ولا يُمثـِّلوا تلك الدول في العراق.
مَن يذهب خارج العراق عليه أن يتمتـَّع بمروءة عالية. إحدى علامات الإنسان القويِّ هي إن الطرف المُقابل لا يستطيع أن يُهين أحداً من بلده أمامه؛ لأنَّ أوَّل المُهانين أنت؛ فهذا لو كان يحترمك لما تكلـَّم على شخصية عراقـية أمامك.
الرياض اعترضت في عام 2006 على أن تكون رئيس الوزراء. هذا مفصل تاريخي؟
الجعفري: أنا في ذهني العكس، وقد وصلتني إشارات، وهم يعلمون أني لستُ راغباً فيها.
ضع في بالك شيئاً: أنا قلتُ أكثر من مرّة: ليس عجزاً عن المسؤولية، ولا تنصُّلاً منها، ولا تهيُّباً لها. عندما غادرتُ هذا الموقع ما كنتُ ألهث عليه، ولا أردته، ولا خطـَّطت للرُجُوع إليه، وأيُّ واحد لديه كلام خلاف هذا ليقـُلْ لي، كي أجيبه، إلا إذا اقتضت مصلحة بلدي، فأنا أعطيتُ حياتي كلـَّها لبلدي.
منذ كنتُ صغيراً إلى أن أصبحت طريد المُخابَرات العراقـية، وبعض المُخابَرات الإقليمية هذه من أجل شعبي، ولا أسمح لأيِّ أحد أن يُساومني على هذا الشيء.
تركتُ اختصاصي، وتركتُ أهلي من أجل الشعب، ولا أسمح أن يأتي أحد ما ليُساوِم عليَّ، وعلى وطنيـِّتي.
مثلما أحترم كلَّ إخواني وزملائي الذين رأيتهم مُخلِصين للعراق فعلاً، ووضعوا أرواحهم على راحة كفهم من أجل العراق حرام أن نـُبدِّد هذه الطاقات.
تـُلمِّح إلى بعض المَطالِب في المُظاهَرات ؟
الجعفري: مَطالِب المُظاهَرات رائعة: مُحارَبة الفساد، ورفع مُستوى الخدمات، وإصلاح القضاء، والعدالة؛ البلد الذي لا عدل فيه في القضاء لا أمن فيه، ولا خدمات، ولكني أعتقد أنـَّها جاءت مُتأخـِّرة.
مُطالـَبات الناس جاءت مُتأخـِّرة ؟
الجعفري: مُتأخـِّرة. راجـِعْ خِطاباتي.. في عام 2011 وأنا أصرخ بأنَّ المُظاهَرات صوت جماهيريٌّ حقيقيٌّ. هذا الخزين الفكري، والمعرفي.. هذا هو العقد الدائم بين الشعب وبين الحكومة.
يجب أن نهتمَّ بالمُظاهَرات، ويجب أن لا نـُعوِّد شعبنا على أنـَّه ينتخب، وبعد أربع سنوات يرانا مرّة أخرى.
نفس الشعب الذي انتخبك في موسم الانتخابات هو ذات الشعب الذي يلتقيك بين فترة وأخرى، ويُسمِعُك صوته، ويُدافِع عنك بالحقِّ، وينتقدك بالحقِّ.. هذا لا يُخيف إلا الذي عنده أشياء ليست جيِّدة.
نحن نعُدُّ هذا مُتمِّماً ديمقراطيّاً لهيكليّة السلطات.
 هل تنتقد بعض المُظاهَرات، أو تـُزعِجُك بعض المَطالِب ؟
الجعفري: أنا لا أرى تفاصيلها، ولكني أسمع عنها، ومرَّات أنظر قليلاً، وأسمع أن يكون ذكر لأسماء، ويحدث بعض الشيء لا يُعجبني ذكر الأسماء، ولا أرى هذا المفهوم صحيحاً..
اذكروا المَطالب بقوة وشجاعة، وأشيروا إلى ضرورة تطبيق القضاء، ومُحاسَبة المُقصِّرين.. كلُّ هذا شيء جيِّد، ومُهـِمٌّ، ونحتاجه.
أين أصبحت إصلاحات الحكومة، أو إصلاحات العبادي ؟
 الجعفري: مَن يقولون: الدكتور العبادي يقصدون الحكومة.
يتنصَّلون، ويقولون: هذه إصلاحات العبادي.
الجعفري: على كلِّ حال هو رئيس وزراء العراق شِئْتَ أم أبيتَ فمَن يتصرَّف إنما يتصرَّف بصفته رئيس الحكومة العراقـية.
البعض لا يراها جادّة حتى المرجعيّة لمَّحت بأنـَّها تـُريد إصلاحات حقيقـية.
الجعفري: هذا جيِّد، وعلينا أن تتضافر جُهُودنا كلـُّها من أجل تحقيق الإصلاحات. زمن الإصلاح ليس كزمن الفساد.
قد يحدث الفساد في ساعة واحدة كأن يسرق ملياراً، وكذا تعيين مجاميع في الوزارات، وظاهرة المُحاصَصات التي لم تأخذ وقتاً، لكنَّ إصلاحها يحتاج وقتاً.
كم من الوقت ؟
الجعفري: يعتمد على تكثيف جُهُودنا، وتعاوننا كلـِّنا. نحن بدأنا حركة الإصلاح في وزارة الخارجية في الشهر الذي باشرتُ فيه في العام الماضي.
ما احتجتَ مُظاهَرات.
الجعفري: لا.. أنا فرحان بها، ولكن بدأت برأسي جدول لأحداث إصلاحات في وزارة الخارجية.
أيُّ مفاصل الخارجية فيها مُكوِّن مُعيَّن بشهادات تزوير ؟
الجعفري: نحن باشرنا التدقيق بالشهادات، وباشرنا التدقيق بالتعيين.
طريقة التعيين ؟
الجعفري: نعم.. طريقة نقل المُوظـَّفين من مركز الوزارة إلى البعثات، وبين البعثات.
طبَّـقنا نظام اللجان، ومُقابَلة المُوظـَّفين فرداً فرداً، ولا يُوجَد شيء يأتي بالجملة.
أنا أعطي المعايير، وتـُشكـَّل لجنة على درجة من الكفاءة برئاسة وكيل الوزير، وأقول له: طبِّق هذه المعايير، وقابلوهم جميعاً، وما تدخـَّلت أبداً بنقل 272 موظفاً. قبل أن تحدث هذه الموجة المُبارَكة، وأقمنا مُؤتمَراً للسفراء العراقـيِّين في كلِّ العالم جاؤوا إلى هنا، واستضفنا الوزارات ذات العلاقة كالداخلـية، والأمن، والدفاع، ووزير العدل، والمالـية، وألقوا كلمات، وأجابوا عن أسئلة السادة السفراء، وقمنا بخطوات كثيرة، ورأينا بعض الخلل، وأقدمنا على خطوات إصلاحية.. رأينا تراكماً في التعيينات كانت في 2003 من 700 إلى 800، والآن تجاوز العدد. رُبّما تكون وزارة الخارجيّة أقلَّ من بقـيّة الوزارات، لكنَّ هذا لا يُبرِّر أن نـُزيد العدد.
وجدنا تراكماً ليس قليلاً، علاوة على ظواهر فساد أخرى، وعملنا على معالجتها.
القاعدة الجماهيرية الرافضة للفساد تـُفيدك في أيِّ تحرُّك إصلاحيٍّ، يُضاف إليها تعاون البرلمان.
هل الإصلاح في وزارة الخارجية كان قبل التظاهرات ؟
الجعفري: بدأنا به قبل التظاهرات.
ولكن بعد المُظاهـَرات، أو الثورة الشعبيّة ضدّ الفساد ظهرت حُزَم إصلاح أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة، ورُبَّما خامسة.. أنت تقول: مَن يُخرِّب يحتاج دقيقة أو دقيقتين، ولكنَّ مَن يُصلِح يحتاج وقتاً.. كيف إذا كان المُصلِح هو مَن حدَّد نفسه بالوقت ؟
الجعفري: رُبّما بعض الإصلاحات تستطيع أن تـُحدِّد لها وقتاً.
نحن اتفقنا على أنَّ الإصلاح ثقافة.
تـُوجَد بعض الخطوات تستطيع أن تقوم بها. أضرب لك مثلاً: في الخارجية رأينا إحدى الخطوات التي تنفعنا هي تقليص عدد البعثات، ونحن نحتاجها في الظروف الاعتيادية حتى نتجنـَّب أن لا يُعامِلونا بالمثل، ويقطعوا العلاقات، ولكن تـُقلـص عملنا، فشكـَّلنا لجنة درست ملفَّ كلِّ بعثة، فقلـَّصت العدد، وهناك عدد من البعثات ستـُغلـَق.. هذه خطوة قمنا بها، وما احتجنا زمناً طويلاً.
بعض خطوات الإصلاح لا يُراد لها وقت طويل.
ولكن عندما تقول: أنا أصلِح هذا الشيء بساعتين، ولم تـُصلِحه يجب أن أحاسِبَك؟
الجعفري: إذا كان يُوجَد مُقصِّر يُحاسَب، أمّا إذا كان طبيعة الخطوة الإصلاحيّة تتطلـَّب وقتاً فيجب أن نـُعطيها الوقت الكافي.
حزب الدعوة جرَّع الجعفري كأس الانقلاب، وفيما بعد جرَّع المالكي كأس الانقلاب كما يقولون.. حزب الدعوة الذي أنشأه شخص مُفكـِّر عظيم وهو الشهيد الصدر الأوَّل الذي بنى كلَّ فكره على رفض الظلم بدأ أتباعه يلهثون وراء السلطة، وينقلبون على صاحبهم متى ما رأوا ؟
الجعفري: لا.. لنـُفرِّق أوَّلاً بين الحزب والحزبيِّين. حزب الدعوة حزب إسلامي.
الفكر عندي له حُرمة بغضِّ النظر عن موقفي من أفراده. أنا أتحدَّث عن الدعوة الفكر الذي أثبت منذ تأسيسه عام 1957 إلى الآن أنـَّه استقطب خيرة أبناء العراق الغيارى من الرجال والنساء، وتقدَّموا قرابين من أجل مبادئه. هؤلاء مثل مُسلِمي مكة قبل الهجرة، فكلُّ واحد منا كان طريد المُخابَرات، وهاجَرَ من بلد إلى بلد، ومن مكان إلى مكان.
الذي ينتمي إلى حزب الدعوة ليس على أمل أن يُعيِّنوه في درجة، أو يُعطوه حفنة دنانير، إنما يعرف أن وراء انتمائه إعداماً. فحزب الدعوة نشأ، ومرَّت عليه عُقود وهو طريد أقوى مُخابَرات العالم، والمُخابَرات الدولية تتعقـَّبه، يُضاف إلى ذلك أنَّ حزب الدعوة لم يُربِّ على العنصرية، ويُوجَد داخل الحزب العربي، والكردي، والفارسي، والهندي. هو حزب امتدَّ إلى دول مُتعدِّدة، وما ربَّى أعضاءه على عُقد عشائرية، أو عُقـَد مناطقـية، ولا تـُوجَد في أدبيّاته قضية طائفـية، ويُوجَد فيه سُنـَّة، لكنَّ رُدُود الفعل، والحصارات التي تعرَّض لها في العراق جعلته لا يستطيع الذهاب بعيداً، ويفتح الأبواب للآخرين.. كانت هناك قـُيُود، وظروف استثنائية موضوعية فرضت على الحزب أن لا يمتدَّ في مناطق أخرى.
أمّا الحزبيون فحسب الشخص.
أليست غريبة أنَّ الجعفري الذي كان أمين عامِّ الحزب يخسر رئاسة الأمانة بصوتين ؟
الجعفري: هذه المعلومة ليست دقيقة.
العراقـيون يُهاجرون، ويُفضِّلون الغرق على أن يبقوا في العراق. ما دور وزارة الخارجية ؟
الجعفري: المُفرَدة الثابتة عندي في كلِّ لقاء في الأمم المُتحِدة في كلِّ المُؤتمَرات التي أحضرها هو رعاية العراقـيين خارج العراق، ومدّ يد المُساعَدة، وفتح أبوابكم. العراقيـون الذين ينزحون من محافظة إلى محافظة في الداخل، ويُهاجـِرون من داخل العراق إلى خارج العراق ليس هرباً من السلطة، بل هرباً من داعش، ومن النيران التي تـُصَبُّ عليهم من التفجيرات التي تـُهدِّدهم، وبُيُوتهم التي تهدَّمت، وسياراتهم التي سُرِقت، وأموالهم. لماذا لا تقفون إلى جانبهم مثلما صار عندكم في الحرب العالمية الثانية في أوروبا، أوصيتم بقـية دول العالم أن تنفتح على مُهاجريكم، فلماذا لا توصون بمهاجرينا ؟!
لماذا يُهاجرون ؟
الجعفري: ينبغي أن يبقى مُتمَسِّكاً بأرضه، ولكننا لا نستطيع أن نجبر المُواطِن. فهو الذي يُقدِّر مصلحته، والخطورة التي عليه، وتركيبته الاجتماعية، ولكننا سنبقى نـُتابـِعه، وقد فاتحنا دول العالم بتذليل العقبات أمامهم حين يصلون إلى أيِّ مكان.
في كلِّ عاصمة أزورها ألتقي بالجالية العراقـية، في أيِّ مكان أذهب إليه، وأستمع لهم، وأسمع مشاكلهم، وأتحدَّث إليهم. إلى الأمس القريب أنا كنتُ مهاجراً.
تعرفها ؟
الجعفري: أعرفها، وأتجوَّل في أيِّ مكان يتواجد فيه العراقـيّون، حتى هناك في صحراء رفحة.
هناك مُعاناة عند الذين يُريدون أن يرجعوا فبعضهم خرجوا، وندموا، ولكنهم فقدوا جوازاتهم ؟
الجعفري: نحن نستقبل طلباتهم، ومُستعِدّون لأن نـُذلـِّلها، أنا أتابع بنفسي إصدار الجوازات.
لِمَن يرغب في العودة ؟
الجعفري: نعم لمن يرغب في العودة.
البارحة -للأسف- جاءت جثامين الذين غرقوا، وقد استقبلناهم، واستقبلهم الشباب، وكان وكيل وزير ومعه من الخارجية في استقبالهم.
نحن نتابع أوَّلاً بأوَّل. أما ما يُشاع في وسائل الإعلام ليس كلـُّه صحيحاً..
مثلاً: نـُشِرَت صُوَر قديمة لي وأنا أرتدي الإحرام في عرفة، وأتشرَّف بذلك.. ألم يتحدَّث الإعلام على أنَّ الجعفريَّ ذهب إلى مكة ؟
والحقيقة أنا في نيويورك، وأجريتُ 56 لقاءً.
هل هذا هو الإعلام ؟
أنا لا أختزل كلَّ الإعلاميِّين في ما يُشاع أحياناً، ونقع في الخطأ الذي يقعون به.
أنا أعرف منهم مُبدِعين، ومُضحِّين.. أطوار بهجت منكم شهيدة و 300 شهيد عندكم في الإعلام.. هؤلاء إخوتي وأولادي، ولكن أقول لك: ليس كلُّ شيء يُقال في الإعلام هو صحيح.


http://beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=49061&lang=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق