عبد الرحمن أبو عوف مصطفى
لقد أنحدر رعاة الظلم الى القاع في تسافلهم الأخير حينما ركبوا موجة التظاهرات في بعض المحافظات العراقية والتستر بشعارات الديمقراطية والحرية والعدل وهم أبعد ما يكون عنها، ويتجسّد مثل هذا الانحدار والتسافل في إظهار التعاطف بل التحالف العلني مع قوى إرهابية وخاصة (تنظيم القاعدة) الذي أتخذ تسميات جديدة يحاول من خلالها تسويق أفكاره الظلامية بطرق أخرى، إن هذا التنظيم الإرهابي المتحالف أصلا مع البعث الصداّمي منذ 2003 وجد مؤخرا فصائل جديدة من (القوميين والعثمانيين الجُدد) وعواصم جديدة أخرى في المنطقة لاحتضانه ودعمه وإعادة تسويقه، متسللا عبر الحليف البعثي الى الحراك العلني وسط جموع المتظاهرين في الفلوجة وتكريت وسامراء وهيت ومناطق أخرى.
لم يكتف كلا التنظيمين (البعث والقاعدة) في تسجيل الحضور وحسب، إنما تصّدوا لبرمجة تلك التظاهرات وتدوين المطالب التي تؤهلهم للتسلل الى السلطة والإمساك بخناق الدولة العراقية الفتية ومن ثم الإجهاز على تجربتها الجديدة عندما تصبح الشروط الموضوعية مؤهلة لذلك، وتلك الشروط هي القاسم المشترك بين (الحلف البعثو- وهابي) من جهة، وبين العواصم والقوى الإقليمية في المنطقة من جهة أخرى، فلا يخفى على أحد ما يعلنه هؤلاء وأولئك من إسلاميين وقوميين وعثمانيين جُددْ الشعارات الهادفة الى إستنفار الحس الطائفي ونحر التجربة الديمقراطية (رويدا رويدا) من الوريد الى الوريد في العراق الجديد.
لقد أفصحت أطراف رسمية (داخلية وخارجية) عن نواياها في استهداف العملية السياسية وإحباط الديمقراطية في العراق من خلال التعلل بذرائع شتى والتغني بمطالب المتظاهرين، المطالب التي أسهمت في تدوينها ذات القوى التي أشعلت فتيل الفتنة خاصة مع خلو تلك المطالب أو الشعارات المرفوعة مما يمكن أن يتقاطع مع مصالح تلك الأطراف، وقد نشرت صحف ومواقع الكترونية عن عملية إرسال بعض القوى الإقليمية ضباط استخبارات ومجاميع ارتباط لمتابعة الواقع الميداني للتظاهرات وتنسيق عملية الدعم المادي والمعنوي والإشراف على عملية وضع الخطط الميدانية الكفيلة بإدامة التظاهرات وإخماد الأصوات الوطنية في تلك المناطق واستمالة الواقفين على الحياد بالترهيب والترغيب، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل القيام في عمليات اغتيال الشخصيات الوطنية السياسية والإعلامية والدينية والاجتماعية التي أسهمت من قبل في إخماد الحس الطائفي ومحاربة القاعدة، وعلى سبيل المثال اغتيال النائب عيفان سعدون العيساوي ذو المواقف الوطنية المعلنة ضد الإرهاب وأشخاص آخرين لهم مواقف وطنية تجعل من غير المتوقع منهم القبول والرضوخ لحالة الفوضى المراد لها الاستمرار لزحزحة وتفكيك الدولة العراقية واجتثاث التجربة الديمقراطية بوسائل هي الأخرى تبدو ديمقراطية أيضاً.
ربما اكتسبت هذه التجمعات (المدفوعة الثمن) صفة شرعية فيما لو كانت الحكومة الحالية هي حكومة أغلبية سياسية بعيدة عن المحاصصة، وفيما لو كان النظام رئاسيا وليس برلمانيا، خاصة وأن معظم المطالب بحاجة الى تشريع بل وحتى المتعلقة بالفساد فهي مهام برلمانية رقابية أو الأخرى في الخاصة بالخدمات فالمجالس المحلية ومجالس المحافظات هي المعنية بشكل أساسي بالمسائلة والاحتجاج ومن ثم الحكومة المركزية بالدرجة الثانية، وكما يعلم الجميع بأن الحكومة المركزية في الأنظمة البرلمانية هي مسؤولة أمام البرلمان ، طالما أن الشعب قد منح ثقته لأعضاء ينوبون عنه في هذه الهيئة المعنية بالرقابة والتشريع، وللشعب حق محاسبة البرلمان والمطالبة في حل هذا البرلمان في حال فشله في تمثيل قواعده الشعبية، وكما نعلم أيضا بأن إختصاصات الحكومة في النظم البرلمانية تتركز في المهام السيادية والخارجية بالدرجة الأساس وذلك ما يفسر بطلان معظم هذه التجمعات والمطالب ويوضح الأسباب التي تدفع بالقوى الإقليمية لتبحث من ينوب عنها من داخل العراق لتجسد سخطها من السياسات الخارجية والأخرى المتعلقة بالأمر السيادي لحكومة المالكي ومن ثم الانقلاب على الشرعية الديمقراطية وحق الأغلبية في اتخاذ القرار ومن خلال الإمساك بخناق العراق وتحويل اجتثاث البعث الساقط الى اجتثاث للديمقراطية وتحويل محاربة الإرهاب وحواضنه جريمة يحاسب عليها القانون في منطق الإسلاميين والقوميين والعثمانيين الجُدد، ولكن أنىّ لهم ذلك والعراقيون قد قالوها كلمة لا عودة فيها كلا للبعث السافل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق