محرر الصفحة
كل تجربة سياسية جديدة تأتي عقب مرحلة تغيير النظام الحاكم في اي بلاد سواء أكان التغيير عن طريق التداول السلمي للسلطة وصناديق الاقتراع أم عن طريق الانقلابات العسكرية وسفك الدماء والتبختر بالدبابات العسكرية لمحاصرة القصر الرئاسي وتلاوة بيان الانقلاب رقم واحد اثر حكم جائر واضطهاد الشعب، في كل تجربة كهذه فإن من المعروف والمعتاد عليه سياسيا وديمقراطيا ان تمر هذه البلاد بحالة تسمى (مرحلة انتقالية) أي عبارة عن حالة مؤقتة وانتقال من حالة الى حالة اخرى، فتكون أشبه بالأيام الاخيرة من إدارة موظف ما بمسؤولية كبيرة لقرب إحالته على التقاعد ، فيتم تجريده من اصدار القرارات المالية الكبيرة والاجراءات الادارية المهمة ويكون واجبه تسيير العمل بشكل عادي يشبه الى حد بعيد منصب الموظف المسؤول المجرّد من أي مسؤولية، هذا في حال انتقال السلطة سلمياً ، أما في حالة الانقلابات العسكرية فإنه يتم على الاغلب تحديد مجلس عسكري أو لجنة ضباط رفيعي المستوى أو جنرال نافذ القول والفصل يكون هو الاول والآخر في تنفيذ سياسته الاقصائية والتعسفية من أول وهلة.
العراق بتأريخه الحديث عرف هاتين التجربتين، وعاش خلالهما أجواء صاخبة أو مستقرة حسب تنوعهما وظروفهما ، إذ عانى خلال السنوات الخمسين الماضية عدة تجارب من الثورات العسكرية وسيطرة دبابات الانقلابات واعلان حالات الطوارئ والاحكام العرفية، فأصطبغ لون الشوارع العراقية بالدماء وتغير شكلها نتيجة سحب الجثث بواسطة السيارات فيما علقت جثث أخرى على أعمدة الكهرباء ، وحتى بعد دخول القوات الامريكية للعراق عام 2003 فلم يتذوق العراق نكهة التداول السلمي للسلطة كما هي موجودة لدى الدول الغربية مثلا، اذ تم انتزاع الحاكم (السلطة الصدامية بأكملها) انتزاعا بالقوة، رغم ان الفترة التي أعقبت ذلك كانت تداولية سلمية مدنية حضارية لكنها كتجربة كانت قليلة العدد وقصيرة الزمن، كتداول أعضاء مجلس الحكم الانتقالي للحكم، ومن ثم تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة السيد اياد علاوي وبعدها انتقل الحكم الى السيد الجعفري ومن ثم تنازله للسيد نوري المالكي لرئاسة اول حكومة عراقية منتخبة في العصر الحديث.
كما قلنا ، ان المرحلة الانتقالية ، في أي بلد يفترض بها ان تكون حالة مؤقتة وليست ثابتة ، وهذا نابع من تسميتها ، وقصيرة زمنيا وليست طويلة كونها حالة انتقال من والى، وهو معلوم أيضا من وصفها، فهي مجرد مرحلة للانتقال الى مرحلة اخرى أي يأتي بعدها مرحلة أهم وأكثر وضوحاً وثباتاً، فلو كانت مرحلة تتسم بإطار ثابت وطول زمني لما تم التركيز على ما بعدها ومقارنته بما قبلها، وهذا الكلام قد حدث بالفعل إلا في العراق ! ، فهو يأكل اليوم عامه العاشر وما زال في مرحلة انتقالية و غير مستقرة!، ولا أقصد هنا استقرار الحكم ومقاليد السلطة لأنها واضحة ليست بحاجة الى كلام، وإنما اقصد عدم استقرار الحالة السياسية لبعض الاحزاب والاطراف التي ما زالت ترفض الانتقال للمرحلة الثابتة وتفضل البقاء في مراحل غير مستقرة وآمنة، فبعضها يتعمد ابقاء البلاد في حالته المؤقتة وما تمثله من حراجة سياسية واضطرابات مقلقة، أما البعض الاخر فهو غير مقتنع تماما بهذا الانتقال وكانت له رغبة جامحة بالبقاء في (عهده الصدامي الذهبي) ، فضلا عن عدم الاستقرار الامني والاقتصادي التي هي بالتأكيد نتيجة حتمية لعدم الاستقرار السياسي، ولطول فترة المرحلة المؤقتة التي نخشى ان تصير مرحلة دائمية!.http://www.beladitoday.com/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق