تناولت بعض الاخبار الثقافية مؤخرا عكوف احدى منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع وزارة الثقافة على تكليف عدد من (الادباء) لاعداد انطلوجيا للشعر العراقي المعاصر لغرض ترجمته وتقديمه الى العالم , واخرى لاختيار ابرز ممثلي الشعر العراقي بعد تكليف عدد من الاشخاص المجهولين لغرض اعداده (معروفون في نطاق المقاهي والملتقيات الطارئة والصفحات الثقافية الموبوءة حصرا) وهي خطوة جيدة اذا كان الهدف منه تقديم صورة صادقة ومشرفة عن الشعر العراقي وابرز ممثليه الحقيقيين بدون أي نوايا مسبقة كما حدث في مشاريع مشينة سابقة, لكن مبعث استغرابنا قائم على ترشيح ( 120) شاعرا قابلا للزيادة, ولا ندري هل ان هذا العدد الجسيم نابع عن دراية ام استنادا لسجلات المهرجانات الشعرية المفتوحة لكل من هب ودب, اذا ما علمنا ان عشر هذا العدد الجسيم في حقيقة الامر هو فعلا من يستحق تمثيل الشعر العراقي المعاصر على مدار اربعة عقود، اما من تبقى منهم فهم مع احترامنا لاشخاصهم مجرد زوائد تضر ولا تنفع الشعرية العراقية بل وتثلم من قيمتها لدى الاخر..! الا اذا كان الهدف منه تقديم صورة سيئة عن الشعر العراقي الحديث كما جرت العادة دوما لاخفاء العاهات وطمس الابداع وتسويق الضحالة.. لا اكثر ..
مؤكدا ان ظاهرة الانطلوجيات الملفقة, والتي يتخذ البعض منها احيانا ذريعة لتصفية الحسابات مع هذا او ذاك وتسويق الشوائب على حساب المياه الجارية , تبين لنا بلا رتوش وبكل صراحة مقدار الدجل الممارس في مضمار هذه البدعة الادبية القديمة - الجديدة وفضائح معديها وخمول ذكرهم, وبصرف النظر عن المثالب التي بينها الكاتب شاكر لعيبي في مقالة منشورة له مؤخرا لاثنين من المتاجرين بمهنة (الانطلوجيات على مدار اعوام ناهيك عن العشرات ممن هم على ذات الشاكلة, مبينا انهم اساسا لا يشكلون حسب وصف ذلك الكاتب أي علامات فارقة في الشعر العربي ولا العراقي, وهي ملاحظة جديرة بالتأمل, ان يتصدى لاعداد هذه (المقبلات) بعض الطهاة المتواضعين في مواهبهم تحسبا من خمول ذكرهم وانقطاع نسلهم ربما , او لاسباب اخرى لها علاقة بتجارة ما او منفعة او ما شابه .
قضية الملفات الشعرية اوالقصصية والانطلوجيات او المختارات, اصبحت الشغل الشاغل لدى البعض من ادبائنا . شعراء وقصاصين على حد سواء.. فما ان يفرغ احدهم من اعداد هذا الملف او تلك الموسوعة بشكل مرتجل غالبا و مشفوعا بعبارة مغرية ودبقة ( انطلوجيا )! حتى يسارع آخر اكثر تسرعا من الاول ليسلق مختارات شعرية مشابهة لاتضيف جديدا.. ولينبري ثالث ورابع وهكذا دون تمحيص او مراجعة .
حتى اصبح اعداد الملفات الشعرية - رغم خطورتها - اشبه باعداد ( اطباق المأكولات ) لا يقتضي من السيد المعد الكريم اكثر من عملية تجميع وفبركة نصوص مسلوقة لايربطها أي رابط من حيث الجودة والرصانة والاهمية ان لم اقل القناعة على اقل تقدير.
ثم اننا نتساءل .. ومن حقنا ان نتساءل .. وفق أي منهج نقدي جرى تلمس مكامن الابداع والجدة والابتكار في تلك النصوص واختيارها على هذا الاساس ؟ وماهي المعايير التي تم بموجبها ترشيح من يمثل المشهد الشعري العراقي بكل امانة وموضوعية بعيدا عن الاخوانيات والمجاملات التي اضرت بالادب العراقي المترجم في الخارج لابسبب عدم اصالته واهميته فحسب بل بسبب وضاعة ما يقدم للعالم ضمن هذه الانطلوجيات والمختارات البائسة من بعض النصوص التي لاتستمد اهميتها الا في اذهان واوهام كتابها ومعدو بعض هذه الموسوعات الشعرية الهزيلة ، مع اننا على يقين ان الاختيار لم يتم وفق اسلوب نقدي رصين بتاتا بل تم وفق طريقة الكولاج أي ترشيح الاسماء بغض النظر عن نصوصها بطريقة عشوائية قبائلية مرتجلة كما جرت العادة دائما وابدا وكيفما اتفق لاسقاط فرض الاعداد لا اكثر . بل ان بعض الاسماء المختارة ( ملفقة ) تتكرر بشكل ملح وفج يدعو للسأم ونفاد الصبر والغثيان ولايدعو هذا الامر للاستغراب ابدا اذا ما علمنا ان فلانا صاحب دار نشر مقيم في اوربا وآخر يدير شؤون صفحة ثقافية في صحيفة دولية مثلا او حتى محلية وهكذا..!
أي ان المصالح المتبادلة تدخل احيانا في اعماق هذه الغابة الكثة بصرف النظر ان كانت هذه الغابة تحتوي على اشجار مثمرة ام لا ..
لقد اطلعنا مرارا على نماذج من هذه الملفات الشعرية المتباينة في مستوى اعدادها والتي اعتدنا على ان لا تأتي مستوفية لشروط الابداع والاقناع والمجازفة بخرق السائد والمكرس الا فيما ندر! بسبب ضحالة اغلب الاسماء المختارة من جانب , ومن جانب آخر شعورنا بخيبة امل كبيرة ازاء اسماء مكرسة اعلاميا تأتي نتاجاتهم في تلك المختارات بمستوى هش يتنافى مع شيوع اسماء شعرائها!
لماذا... لا ادري؟!
اننا على يقين تام ان تقديم المشهد الشعري العراقي المعاصر وعوالمه المدهشة للعالم .. كل العالم، يقع على عاتق كل الادباء والمثقفين العراقيين النزيهين ، ان كانوا في الداخل او الخارج، ولكن بدون استهانة بالطاقات الشعرية الرفيعة بذريعة ان اصحابها يترفعون عن تسويق انفسهم للاخرين كما يفعل الغالبية العظمى من الطارئين , بل ان بعضهم لا يتورع حتى من مراسلة جامعي القمامة في اوربا لاصدار مجموعة شعرية تذكارية على حساب بلديات احدى القرى النائية في ذكرى موت احدى القطط المدللة سهوا تحت عجلات حاوية هائجة مخصصة للنفايات , وتم فعلا تسويق هذا الحدث المفبرك قبل اشهر , وتداولته معظم الصفحات الثقافية الموبوءة بانصاف المحررين ممن هم على شاكلة هذا ( الشاعر الخطير ) ! بمنتهى السذاجة .
ان الابداع لايقاس ابدا وفق هذه المعايير، لأن الابداع الحقيقي، شاء من شاء وابى من ابى كالجريمة تماما لايمكن اخفاؤه الى الابد . لذلك فان مهمتنا تنحصر اليوم في البحث بكل جدية ومحبة عن بريق النجوم البعيدة .. ليس الا ..
مقالات للكاتب ليث فائز الأيوبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق