أوجُه الشبه بين الهند وبلدان العالم العربي كثيرة، “فكلنا في الهمّ شرق”، وخضعت الهند كما خضعت بلداننا للسيطرة الاستعمارية، بل إن بريطانيا كانت تعد الهند درة تاجها، وهي لم تنل استقلالها إلا في وقت متأخر، لا يكاد يبعد عن تاريخ حصول البلدان العربية المفصلية على هذا الاستقلال، وعانت الهند، كما عانى العالم العربي تعثرات في التنمية .
ومع أن الهند لم تنجُ من بعض مظاهر التوتر السياسي في تاريخها القريب، لكنها لم تشهد هزات سياسية كبرى ولا انقلابات عسكرية ولا ثورات دموية، بل استطاعت أن تعبر الكثير من الأزمات، وأن تكسب في نهاية المطاف رهان التنمية، وأصبحت إحدى أهم القوى الصاعدة بين نهاية القرن العشرين ومطالع القرن الحادي والعشرين .
وفيما استقبل العالم العربي بدايات هذا العقد بالاضطرابات الكبرى التي جاءت بها تغييرات ما أطلق عليه مجازاً “الربيع العربي”، الذي لم يبرهن حتى اللحظة أنه كذلك، بالنظر إلى ما جلبه من فوضى وتمزقات وتدخلات أجنبية سافرة ومضمرة، فإن الهند تغذ السير نحو المستقبل بثقة كبيرة .
السر يكمن في كلمة سحرية واحدة هي الديمقراطية، فالهند هي النموذج الديمقراطي الوحيد الثابت في البلدان النامية، برغم أن العديد من هذه البلدان شهدت تجارب متفرقة من الممارسة الديمقراطية، لكنها غالباً ما تكون عابرة ومتقطعة وعرضة للتقلبات، أما ديمقراطية الهند فقد ظلت مستمرة من دون انقطاع منذ العام ،1947 عام استقلالها، بل ربما قبل ذلك بكثير، إذا ما اعتبرنا العام 1920 الذي شهدت فيه انتخاباتها العامة الأولى تاريخ بداية لهذه الممارسة .
لو أن البلدان العربية سارت على منهاج التداول السلمي للسلطة، واعتماد التعددية الحزبية آلية لهذا التداول، وأقامت أنظمة للحكم المحلي والبلدي على النحو المتبع في الهند، وعززت ذلك بالمساحات الواسعة للحريات العامة، لكانت وفرت على نفسها وعلى شعوبها الكلف العالية من الدماء والتضحيات والسجون والعداوات الطائفية والمذهبية، ولكانت طورت أجهزتها الإدارية لتصبح قادرة على تحقيق التنمية المستدامة بحماية مظلة من التشريعات التي تضمن الشفافية وفضح الفساد.
علينا بعد ذلك أن نفهم لماذا تتطور الهند حثيثاً نحو المستقبل، مختصرة الوقت والتضحيات، من دون أن تنشأ فيها ظروف تقود للانعطافات الحادة المكلفة في مقدماتها وسيرورتها ونتائجها، كتلك التي جاء بها “ربيع” العرب”.
مقالات للكاتب حسن مدن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق