تتربع بغداد على عرش الثقافة في زمن النكوص الأدبي والثقافي وارتداء الكلمة وشاح الخوف والارتياب من فوهات الحديد المتجه صوب كلمات كاتب وغزل شاعر وأداء ممثل أعتلى خشبة مسرح يعطي انطباع للآخرين بأنه ليس هناك ألم يعلو فوق وجع الثقافة في طرقات بغداد وأن لا خوف في أزقة تلك العاصمة من تماسيح الشر السابحة في مستنقعات الجهل والعبودية.
تبدو بغداد كأجمل عروس وهي تلبس ثوب الثقافة والفن والعطاء وحولها جموع أهل الفن والأدب يتبادلون التهاني بحضورهم عرس بغداد المتنبي التي حرص مثقفو الضاد على طلاء أيديهم بحناء زفافها عروسا للثقافة في عالمنا العربي الذي تغزوه هذه الأيام ثقافات شتى تحمل بين طياتها رائحة الموت وصوت الكراهية وثقافة الاقتتال في طرقات المحبة وهي لا تزال تحمل في ذاكرتها سجلات سنين عجاف كان فيها المثقفون أدوات يطرقها نحاس بربري لتعطيه ألق ولمعان الفكر المعجون بحنايا الكبت وأغلال القيد المرتجف في دهاليز الظلمة التي أسرجت ضياءها مداد الأقلام النازفة بالعطاء رغم قيود الموغلين بالخواء والنمطية فيما كان على ضفاف الشاطئ الاخر صور رحيل قوافل أهل الثقافة والفن الى أزقة المدن المهاجرة بجراح الوجع وحنين الفراق وألم البعد وسرابيل أنينهم ينشدها المطربون وجع على فناءات مسارح الغربة وفضاءات التيه وتعلق مخيلتهم بصور الطفولة الضائعة في ربوع حارات الزمن الصعب وشارع المتنبي ومكتبة الصباح وصيحات النداء في مرآب العلاوي بغداد تلك الفتاة المشاكسة الرابضة على ضفاف دجلة وهي تقص شهريار قصص ألف ليلة وليلة وتعطي جبينها للثم في مهرجان المربد لقوافل الشعراء وتزين بيتها لمئات المثقفين من العرب في ليلة عرسها كعاصمة للثقافة العربية وهي تحمل هموم المثقفين بعد ضياع لعشرات السنين في مجاهل الصحراء وأدغال الجهل عند ساحل الخليج هناك حيث لا طعم لجملة صاغها كاتب بوجع الألم بعد منتصف الليل ولا معنى لقصيدة شاعر تغزل بها في عيون المها بين الرصافة والكرخ ولا ابداع لنص اعطاء الفنان روعة الاداء وشموخ الفن على أديم المسرح الواقعي كل ذلك وبغداد تنزف دما على يدي من شربوا حليب ضرعها وأستظلوا بفيء نخلها والذين البستهم رداء العلم والمعرفة عندما كانت بغداد قلعة الحضارة العربية جاءها اليوم من يتوج لها تاج الثقافة في ديوان الثقافة العربية لتكون عروس بين وصيفاتها من مدن الخليج اللاتي لبسن ثوب الثقافة بهيكل حديد يبهج الناظر ولا يغني عقل ولا ينير طريق وتلك حضارة تعطي أنطباعا عن عبقرية مهندسي البناء وجهل ساكنيها فما أغنى المال عقول نضب التفكير فيها وأنعدم في حاراتها أثر عطاء أهل الفن والشعراء ومنتديات أصحاب الكلمة والادباء.
كانت وما زالت الثقافة غذاء الروح كما الطعام هو غذاء البدن وهي أخلاق رفيعة المستوى ورداء جميل يلبسه أهل الفن والثقافة وتلك العقول التي تحاول أن تنكر على بغداد عرسها في فستان الثقافة الغجري لا تعطي الإنسان قيمته ولا تترجم مشاعره في أن يعيش المثقف كالآخرين ألق الحب والسعادة ويعطي من ثمار فكره كلمات في حب عشيقته التي استباحها الشيطان وهو يزرع الحقد في حدائق الحب وبساتين المحبة التي زرعها بدر شاكر السياب ولميعة عمارة وعبد الوهاب البياتي وحسب الشيخ جعفر . إن وجع قرص الخبز كوجع الكلمة التي تزق في أحشاء بغداد وجع الفكر والانحناء وقبول بعض العقول بملء كروشهم بحلو الرضاب على ملء عقولهم بعذب الكتاب فكلما كانت ثقافة العقل راقية كان الانحناء قمة في الاداء وكلما كانت ثقافة النهم في الزاد بادرة كان الانحناء من وجع الداء وشتان مابين عطاء العقول وعطاء البطون.
مقالات للكاتب محمد باني أل فالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق