الولايات المتحدة هي الحليف الرئيس التقليدي لعمان، ولكن المفارقة أنها تمثّل العدو الرئيس للدولة الأردنية. ولعله ينطبق علينا، هنا، القول الاستراتيجي المأثور: تخاطر عندما تكون معاديا لواشنطن، لكنك تخاطر أكثر عندما تحالفها !.
لا ينطبق ذلك، بالطبع، على إسرائيل التي تخشى واشنطن من أن تجرها إلى حرب غير محسوبة العواقب مع إيران، وتسدد لها الثمن كاملا، تملّقا لحكومة نتنياهو التي قامت على أساس تحالف استيطاني، أي واقعيا، على أساس السير في سياسات وإجراءات تمنع قيام الدولة الفلسطينية التي تظل مجرد وعد غامض، بلا إطار ولا جدول زمني.
تدعم واشنطن إسرائيل بلا حدود ليس هذا خبرا جديدا. الجديد هو العصا التي يلوّح بها داعية السلام، أوباما، فيعيد التأكيد على أن إسرائيل أقوى دولة في المنطقة وتدعمها أقوى دولة في العالم! أوباما يؤيد العدوانية والاحتلال والاستيطان، وما يريده من الفلسطينيين هو شلّ إرادتهم المقاومة بالمفاوضات اللانهائية، وما يريده من الأردنيين هو استيعاب النتائج الديموغرافية والسياسية للاحتلال والحصار والاستيطان.
أعلن أوباما، ما يشبه الطلاق مع حماس لاعتبارات إسرائيلية، ولكن للاعتبارات الأميركية والإسرائيلية معا، ليس في الأمر دلالة على التراجع عن التحالف مع الإخوان المسلمين المصريين الذين انتقلوا من تنفيذ مهمة عرقلة الثورة المصرية إلى مهمة تفكيك الدولة الأعرق في المنطقة؛ فهل يصحو القادة الحمساويون الذين باعوا دمشق بالثمن البخس، وانخرطوا في القتال ضدها، أملا بالجلوس في الحضن الأميركي ؟.
لا فرق يذكر اليوم بين أوباما وسلفه الحربجي، جورج بوش؛ فالرئيس الديمقراطي، حسم توجه الإدارة نحو تصعيد الحرب في سورية: فمن التراجع عن التفاهمات مع موسكو، إلى تدريب جماعات المقاتلين الإسلاميين المعتدلين وتسليحهم، إلى الافتراءات والأكاذيب بشأن الوضع في سورية إلى غض الطرف عن إرهاب جبهة النصرة الكيماوي في حلب، والسكوت عن العملية التكفيرية الانتحارية التي أودت بشيخ الإسلام الشامي المعتدل، الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي، إلى التهديد بالتدخل العسكري ... كل ذلك، يذكرنا بجورج بوش والعراق.
ومن المؤسف أن عمان التي اتخذت على مدار عامين من الأزمة السورية، مواقف متزنة ومعتدلة منها، أكسبتها الصدقية والاحترام الإقليمي والدولي، حيث تزعم وسائل إعلام أجنبية أن عمان تنجر الآن، للمشاركة في عملية تدريب وتسليح المقاتلين السوريين، مما سيزيد من عمر الأزمة، ويفاقم آلام الشعب السوري.
تسير المملكة، إذاً، ضد مصالحها الاستراتيجية لحساب مصالح الحليف الأميركي، باستيعاب المزيد من اللاجئين السوريين والمساعدة في اسقاط النظام السوري لصالح تسونامي العنف الديني والإرهاب التكفيري وضرب استقرار الأردن. الحليف/ العدو يدفعنا نحو الانتحار.
مقالات للكاتب ناهض حتر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق