كريم الثوري
مارد من الرمل، يتمدد بالخراب فيستقيم، يفرد أذرعه كالإخطبوط فيتمرغ العراق بأوحاله زوبعات في الذاكرة ، كان يصول ويجول على شكل لولب مغزلي قصير المدى ، لكنه اليوم تحول الى ديناصور خرافي مقصود بتعطيل أجساد العراقيين بالكامل وكأنه معني بأرض السواد الأشجار المُنحنية قدامه بمصداتها اليابسة كخريفها الأبدي سألته لأكتشف:أرني وجهك، فأغمضت عيناي فقد تلبست بشظايا يشبه نثار الزجاج المتطاير وتلبس وجه صديقي المحاذي بالرمل الأبيض قلت : فلنتصل بالشرطة الدولية سخر مني فعرفت انه لا يستطيع ان يفتح عينيه ليرى الأرقام السرية من فرط تزاحمها خرج مرافقي لفناء الدار ليستضيء بنور الشمس الحليبي لم يفلح فنكست راياتها خجلا بدماء عينيه خرائط ، فعاد الى الدار معتمراً كوفيته اغلقنا الابواب والنوافذ وتعطلت مرافق الحياة في الخارج بدولة الحلم او الوهم او الكابوس وقدرها في ترتيب الارض بحجم الكف وكأن كل غبار الكون ومعطوباته ارادت استعادة ثأر قديم في شكله الذي كان أزرق يوم كان العراق مسكونا بنداء البحر.
المياه والتصحر مشهد آخر يعصف بأرض السواد وبلاد ما بين النهرين ، فقد تحولت أرض العطاء والخيرات بفعل تعاقب الحُكام الجهلة واشتغالاتهم البعيدة عن روح الحياة في قلب الانسان ووعيه وذاكرته ، الى أنماط من السلوكيات ذات الاتجاه المبعثر غير المدروس اعتمادا كسولا على ما هو متاح من البدائل التي تعتمدها البلدان المعنية بشؤن الانسان ذخائر ليوم الفاقة فيما حكامنا على مر الدهور والأزمنة لم يستشرفوا المستقبل فتصيبهم اغفاءة المتلذذ بسكرة ابدية بمنأى عن الكوارث المحدقة وما اكثرها.... ارض العراق اليوم يزحف اليها التصحر بشكل لم يعهده تاريخ العراق حتى غدت هبوب العواصف الترابية والرملية في ثلاث فصول من اصل أربعة .
تدلنا الوقائع التاريخية على أن العراق القديم بشكله البابلي والأشوري حاول كسر الحصار المائي بالاتجاه صوب البحر ،لذلك تحول الى مائي رخوي غير جاف تتشكل به اسرار الحياة الاولى وكان لامتداد مياهه ما هو فوق الحاجة نتيجة الفيضانات من جهة وتمدد لإمبراطوريات العراقية القديمة ، من جبال طوروس حتى جبال زاكروس ومن الخليج، حتى البحر المتوسط في القرن 25 ق .م ويزيدنا الباحث في موسوعة حضارة العالم احمد محمد عوف بقوله:(ومنذ أوائل الألف الخامس ق.م.، شهد ما بين النهرين السهل الرسوبي في العراق( دلتا الرافدين ) الانتقال من القرى الزراعية إلى حياة المدن. ففي هذا السهل قامت المدن الاولى مثل أريدو و أور والوركاء(وركا). وفي هذه المدن كانت بدايات التخطيط للسيطرة على الفيضانات، وانشاء السدود وحفر القنوات والجداول. وفي هذا السهل كانت فيه شبكة القنوات معجزة من معجزات الري. مما جعل السومريون هم بناة أقدم حضارة في التاريخ، فما الذي حلً بهذه البلاد التي كانت ممتدة باتساعاتها المائية فاستحالت الى ارض يباب وتصحر؟ وكيف يستطيع العراق ان يعيد جزءاً من استحقاته المائية سيما انه مطل من جهة البصرة على مورد مائي هائل يمكن استثمارة لو توفرت الارادة الحقيقية والدراسات الميدانية لتمديد ما هو متاح ،والعراق اليوم بحكومته الحالية ليس لديها بدائل اخرى لو ارادت ان توسع قناتها المائية لتغطي مساحة العراق فتعود الحياة باشكالها وانماطها ثانية ترفل بالعطاء؟.
الوسائل المتاحة كما نراها هي بحفر قناة توسع في ميناء الفاو وتمتد عبر حدودنا مع الكويت والسعودية بالتنسيق او باتباع سياسة تبادل المنافع المشتركة والعراق لديه ما يوهله ليلعب دور المحور في هذا الاتجاه بالاستعانة مع الاصدقاء من ذوي التأثير المباشر على هاتين الدولتين ناهيك عن المردودات الاقتصادية والاجتماعية التي سوف يعود ريعها للبلدان الثلاث فالامتداد المائي سوف يشكل عمود فقري لتنسيق يشمل كل جوانب التفاعلات من الاستثمارات الى الزراعة الى الصناعة الى قطاع الخدمات حتى التبادل التجاري وكما نعتقد أن القطب الامريكي بشكل التوجه الجديد المنفتح على العالم العربي والاسلامي نوعا ما لو استطاعت الحكومة العراقية حسن التعامل معه سيكون محورا اساسيا ومهما في تطوير هذا المنحى الحياتي المهم للعراق ودول الجوار كما أن قرب الدول الثلاث من بعضها البعض سوف يساعد في بلورة مشاريع مستقبلية لا يمكن التقليل من اهميتها كما يمكن للعراق أن يلعب بورقة الحق التاريخي سواء في ارض الكويت او الحجاز- العراقيتين-اذا ما امتنعت هاتان الدولتان من استيعاب التوجه السلمي للحكومة العراقية الحالية ، وفي كل حال فهاتان الدولتان لا يحق لهما التدخل لعرقلة المشروع لأنه سيتم داخل الأراضي العراقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق