عبد المنعم الاعسم
امر طبيعي ان تسعى كل دولة الى ان تكون جارتها مريحة لها، وان لا تشكل مصدرا للتدخل في شؤونها، او معبرا لتسويق المخالفات والازمات واشكال التعدي على السيادة والمصالح الوطنية والتوازن الداخلي بين المكونات والعقائد والمنظومات الاجتماعية، ويمكن استباق هذه المناظرة بالقول ان دول أوربا والولايات المتحدة واليابان قطعت شوطا كبيرا في ارساء علاقاتها على اسس من الاتفاقيات والاتحادات وسياسات التضامن والتكامل، وبرغم ذلك، ثمة أمر معروف في احوال الاستقطابات الدولية والاقليمية (ونحن نتحدث عن العالم الثالث) ان تنظر الدول بريبة وقلق الى استقواء جاراتها ونمو هيبتها وقدراتها العسكرية، وتوسع انشطتها الخارجية وتحالفاتها، وتتعامل مع هذه المعطيات بردود افعال قد يكون من بينها (وهنا الخطورة) التعامل بالمثل، ثم بالرد الانفعالي، ما يفاقم التوتر ويخلق الارضية للازمات الحدودية ويضع علاقات الجيرة في مهب الريح.
وليس من دون شك بأن غالبية التوترات والحروب الاقليمية الكارثية تبدأ من هذا المفصل للعلاقات بين الدول، وقد دفعت دول وشعوب ثمنا باهضا لسياسات التدخل والتدخل المقابل، وردود الافعال الانفعالية وقبل ذلك، لسياسات الاستقواء على الجار، او للإمعان في إضعافه، أو لمحاولات فرض الهيمنة والوصاية عليه، لكن، الاكثر خطورة في هذا التشابك بين الدول، يتمثل في تلك السياسات الاستفزازية باتجاه اختراق الجماعات السكانية والشرائح واتباع الاديان في الدول المجاورة وتحويلها الى جسور للصراع مع الدولة وخياراتها بزعم التعاطف مع تلك المكونات او تبني مواقفها واحوالها المحلية، وفي حالات قليلة (والعراق ودول افريقية وخليجية من بين تلك الحالات) تندفع جماعات سياسية في هذ الاستطراد الكارثي فتجعل من نفسها وكلاء للجيران، تنفذ سياساتهم، وتدافع عن مواقفهم، وتغطي تدخلاتهم، بل ان بعض الجماعات تصبح جيوشا موازية، او ممثليات سياسية وتجارية، لدول الجوار، وفي هذا المنحى تتعقد، اكثر فاكثر مشاكل الدول، وتتهيأ أرضية الاحتراب الداخلي التي تغذيها هذه العلاقات المتشابكة، لا داعي هنا للعودة الى مفاهيم الوطنية والغيرة على المصالح القومية، فانها، في مثل هذه الاحوال، تختزل الى منسوب لا يرى بالعين المجردة، لشديد الأسف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق