بعدما تناست الإدارة الأمريكية القضية الفلسطينية، أو ما تسمّى “العملية السلمية” في الفترة الأولى من حكم الرئيس باراك أوباما، ها هي تعود اليوم وبقوّة للعب على هذا الملف، ليس من خلال مبعوث للشرق الأوسط هذه المرّة وإنما بتولي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هذا الملف بنفسه .
هذا يدعو إلى التفكير في الحيثيات والظروف التي دفعت إدارة أوباما إلى إعادة الاعتبار إلى هذا الجانب بعد أن أهملته على مدى الأعوام الأربعة الماضية . الأكيد أن الاهتمام الأمريكي والجولات المكوكية التي يقوم بها كيري ليست نابعة من الحرص على الفلسطينيين وقضيتهم وإقامة دولتهم، لأن الانحياز الأمريكي الأعمى إلى جانب “إسرائيل” ودعم عدوانها وغطرستها في المنطقة لا يمكن أن يتوازى مع السهر على المصلحة الفلسطينية والعمل الحقيقي على إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، كما تدّعي واشنطن .
لذلك، فإن الزيارات الأربع التي قام بها كيري إلى المنطقة في محاولة منه لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” تؤكد أن واشنطن تضع كل ثقلها على هذا الجانب لأهداف بعيدة كل البعد عن المصلحة الفلسطينية، وإنما خدمة لـ”إسرائيل” وتحقيقاً لمصالحها، خاصة بعد تماثل الموقفين الأمريكي و”الإسرائيلي”، وآخر ذلك تمثل في بند المطالبة بالاعتراف ب”إسرائيل” دولة يهودية وما يترتب على ذلك من سلب لحقوق فلسطينيي ال48 كمقدمة لطردهم . من هنا، فإن المليارات الأربعة التي وعد بها كيري، على هامش مشاركته في مؤتمر دافوس الاقتصادي، للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني والمشروطة بإعادة إطلاق المفاوضات، تبدو كأنها رشوة للجانب الفلسطيني مقابل تنازله عن شروطه التي طالما تمسّك بها، وهي وقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى ومرجعية حدود 67 قبل الدخول في أي مفاوضات .
وفي ثنايا خطة كيري موضوعات تلامس قضايا الفلسطينيين، مثل القضاء على البطالة وإطلاق مشاريع تشغيلية ورفع الأجور بقيمة تصل إلى الأربعين في المئة، ما يعني أن تأثيرها الأكبر سيكون في عامة الناس، وبالتالي يظن كيري والإدارة الأمريكية أن الخطة ستدفع الفلسطينيين لدعمها وبالتالي الموافقة على التخلي عن الأسرى والشروط الأخرى، لكن ذلك بعيد عن الواقع، خاصة أن الفلسطينيين جرّبوا الوعود الأمريكية الفارغة أكثر من مرة، وهم يعلمون أيضاً أن الأزمة الاقتصادية التي يمرون بها هي نتيجة لسياسة التجويع الأمريكية التي فرضت عليهم بعد تمردهم على الإدارة الأمريكية التي وجهت العالم بعدم تحويل أية أموال إليهم بعد الحصول على الاعتراف الدولي بفلسطين في الأمم المتحدة .
الأنكى من ذلك، أن الحديث عن إعادة إطلاق المفاوضات يتزامن مع هجمة شرسة من الاحتلال وقطعان المستوطنين على الفلسطينيين في غير مكان، وفي ظل تدنيس يومي متعمّد يستهدف المسجد الأقصى المبارك وما يترافق مع ذلك من محاولات لتقسيمه وتهويده كما القدس الشريف . فهل ينخدع الفلسطينيون بالوعود الأمريكية مجدداً؟
مقالات للكاتب بركات شلاتوة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق