لمَ اللف والدوران ومحاولة اخفاء الوجه باصبع؟ لِمَ الاستخفاف بعقول الناس ومصداقية الكلام الذي يطلقه هذا أو ذاك؟ كعادته قلب السيد حسن نصرالله طاولة النفاق وقال ببساطة: نحن نقاتل في سورية، بالمقابل الجميع يقاتلون في سورية: قطر، السعودية ، التوانسة، الجزائريون، فرنسا، بلجيكا، بريطانيا، الشيشان، الأفغان، الأتراك.. إلخ.
القتال في سورية يدور ضمن أربع دوائر متلاحقة: أولا الداخلي، وهو صراع حقيقي بين معارضة وحكم، ثانيا الإقليمي وهو صراع حاد بين محور إيراني، محور تركي – قطري، محور سعودي ومحور إسرائيلي، وثالثا دولي وهو صراع القوى العظمى بين محور أميركي ومحور روسي – صيني، وبين المحورين تحاول أوروبا أن تدس بأنفها مشاكسة للحصول على جزء من كعكة المصالح بعد الحرب.
أما المقاتلون أنفسهم، من مختلف الجنسيات، فمنهم المؤمن ومنهم المرتزق، ومنهم الذي زج به في الصراع ولم يعد يدري كيف يخرج منه. تصنيف لا يطال بأي شكل الجيش العربي السوري، فهذا هو الجهة المقاتلة الشرعية، جيش الوطن الذي خاض ميسلون بقيادة يوسف العظمة السني، وارثا الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش الدرزي، وخاض حرب تشرين بقيادة حافظ الأسد العلوي. هذه هي سورية، سورية رئيس الوزراء المسيحي فارس الخوري، الذي قال يوما: أنا مسيحي دينا، مسلم حضارة .
وهذا هو الرهان بين تعددية مؤمنين بالماوراء يتحدون في الايمان بالوطن، ويقدمون الانتماء له، وبين عبثية مؤمنين مخدرين بالماوراء يوظفونه ويفسرونه كما يريدون ليبرروا به القتل والارهاب.
المؤمنون في الحرب السورية هم بألوان قوس قزح، منهم من يؤمن بالآخرين ومنهم من يؤمن بتكفير الآخرين لمجرد كونهم آخرين. بوضوح أكثر: منهم جيش يؤمن بوطنه وبعقيدته القتالية ويقاتل، منهم معارضون يؤمنون بسورية وينظرون إليها برؤية مختلفة عما هو عليه نظامها ويرون الى تغييره بأساليب ديمقراطية وسلمية، منهم من يؤمن بالارتزاق للشيطان دناءة أمام المال أو أمام شهوة المنصب أيا يكن، أو حقدا مذهبيا أو سياسيا، منهم من لا يؤمن إلا بشهوته الى الانتقام إما لظلم لحق به وإما لسلطة انتزعت منه. ومنهم من يؤمن بعقيدة تكفيرية لا قيمة فيها للأرض وللوطن وللمجتمع وللدولة . غير أن هؤلاء جميعا ينتظمون في خطين يتعديان الأشخاص والأسماء: أدوات أميركا واسرائيل والمقاومين لمشروعمها.
وأخيرا جاء حزب الله، لا شك في أن لهذا الحزب عقيدة مذهبية، لكن ليس هناك أي اعتبار لهذه العقيدة في قتاله في سورية – على عكس الضخ الاعلامي الذي يريد تفسير كل شيء هناك تفسيرا مذهبيا، لصب الزيت على النار ولضمان تعميق الشرخ في العالم الاسلامي كله – حزب الله ، ومن معه في لبنان، يشكلون مقاومة، لم تكن لتكون لولا سورية، وعليه فإن سقوط سورية خاصة في المناطق المحاذية للشمال والبقاع، في أيدي المنظمات التكفيرية التي لم تخف توجهها لاقامة امارة "اسلامية" أصولية في تلك المناطق، يعني سقوط جزء كبير من جغرافية المقاومة ومخازن سلاحها وجمهورها ليس فقط بيد النصرة والجيش الحر وانما بيد اسرائيل. وعليه تصبح الخطوة التالية المضمونة هي القضاء نهائيا على المقاومة في لبنان، تحقيق ما عجزت عنه حرب تموز 2006.
هذا ما كانت تحلم به اسرائيل وهي تراقب تغلغل النصرة داخل الحدود اللبنانية، بعد أن حققت لها- مع سواها - حلمها بتدمير سورية. ولهذا درب خبراء في الاستخبارات الأميركية عناصر النصرة، كما اعترفت الـ "سي إن إن" عام 2012 . ما يطرح سؤالا منطقيا: أي ايمان يجمع النصرة بخبراء الـ "سي آي إيه" ؟
التغلغل حصل منذ بداية العنف المسلح في سورية، وما من لبناني لا يعرف حقيقة هيمنة النصرة والجيش الحر على الشريط الحدودي من طرابلس الى وادي خالد ومن عرسال الى امتداد 300 كلم، وما من لبناني لا يعرف أن ارهاصات الامارة اتضحت منذ عوقب الجيش اللبناني عندما حاول دخول عرسال فاذل عناصره وقتل ضباطه من دون تمييز بين مسيحي ومسلم، ابشع قتل وتم التمثيل بهم وصور كل ذلك و وزع استكمالا لتدمير الهيبة .
مقالات للكاتب د. حياة الحويك عطية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق