هل رأيت رأسا تقطع بضربة سيف واحدة؟هل رأيت الحرملك وهل النساء جميلات في مصر؟ كيف وجدت الأهرامات وشلالات النيل؟ هل رأيت التماسيح في النيل؟ هل ركبت الجمل؟
علي مر العصور,تتغير الأسماء و الملامح والجنسيات ولكن لا يتغير مضمون الأسئلة التي كان علي الرحالة و الكتاب, الذين زاروا مصر أو عاشوا علي ضفاف نيلها لسنوات أو بضع أيام أن يجيبوا عليها بمجرد أن تطأ أقدامهم أراضي أوطانهم, شرقية كانت أم غربية, أو تتبدل التصويبات التي علينا نحن أبناء هذا الوادي أن نقوم بها في الغربة...
الغريب أنه بالرغم من التقدم التكنولوجي الذي حول العالم لقرية صغيرة يمكن لأي شخص علي سطح الكرة الأرضية أن يرى أدق تفاصيلها و يعرف خباياها, إلا أنني- شخصيا- خلال العشرين عاما الماضية كنت هدفا لما يشبه هذه النوعية من الأسئلة بمجرد الإفصاح عن هويتي, ليصل الأمر لدرجة السؤال عما إذا كانت التماسيح تسير في شوارع القاهرة جنبا إلي جنب مع السيارات والجمال!!
والحقيقة أن تكرار هذه النوعية من الأسئلة عبر قرون من الزمان واستمرارها في لحظة بات فيها العالم عند أطرا ف الأصابع يؤكد أننا نعيش أسري الصور النمطية الزائفة التي شكلتها كتابات الآخر, الذي اختزلناه بدورنا في مجموعة من الصور العقلية السلبية التي لا تقدم حقيقته و لا تعكس واقعه.
ولأن اللحظة التي يمر بها الوطن لا تحتمل أي صور مزيفة أو منقوصة ولأن الاختلاف والتنوع والبصمة الخاصة لا تلغي التفاعل مع الآخر, شرقيا كان أم غربيا, عربيا كان أم أعجميا, علينا أن نتعرف كيف ولماذا تكونت تلك الصور وكيف نظهر للعالم بوجهنا الحقيقي دون رتوش.. أن نقيم أنفسنا ويقيمنا الآخرون بمنأى عن مفاهيم الأعلي والأقوي و الأكثر ثراء.
يقول جابريل جارسيا ماركيز بديهي أن صورة الآخر ليست هي الآخر, صورة الآخر بناء في المخيلة وفي الخطاب. فالصورة ليست الواقع, حتي وإن كان الصراع حولها من رهانات الواقع. و يوضح د.حسن حنفي في كتابه, مقدمة في علم الاستغراب أنه منذ عصر النهضة تداخلت صور الشرق في المخيلة الغربية. ففضلا عن صور الماضي ظهر الشرق العربي الإسلامي في كتابات الرحالة والمستشرقين كمكان متخيل لا يوجد به إلا الغريب والمثير, وبدا الشرق وكأنه موطن السحر والخرافة, ومكان ألف ليلة وليلة وعلاء الدين والمصباح السحري وحكايات شهرزاد وقصصها. و في كتابه الاستشراق أشار إدوارد سعيد إلي أن الخطاب الغربي نظر إلي الشعوب والثقافات غير الأوروبية بصفتها الآخر بالنسبة للغرب لا بصفتها جزءا من الثقافة الكونية التي يمثلها الغرب وحده. وفي كتابه الثقافة والإمبريالية تتبع إدوارد سعيد علاقة الثقافة بالقوة وانعكاسات هذه القوة علي الآخر غير الأوروبي.
وتشير الدراسات الثقافية النقدية ودراسات ما بعد الكولونيالية إلي تأثر الأدباء و أبناء الشمال والغرب بالصورة التي رسمها الاستعمار ونقلها الرحالة في أعمال مثقلة بنظرة نمطية تبرز الآخر متخلفا جاهلا.
ويشير د. مجدي فارح أستاذ تاريخ الفكر الفلسفي بجامعة تونس في دراسته لأدب الرحلات في الحقبة الاستعمارية إلي أن قرب مصر من أوروبا وإغراء آثارها القديمة أدي إلي تدافع الغربيين لزيارتها علي امتداد تاريخها, وأن كلا منهم كتب عن مصر بطريقته وحسب مقتضيات عصره وبالتالي تنوعت كتاباتهم وتعددت طرق تشخيصهم لطبيعة الحياة المصرية, وإن قام أغلبهم بتجسيد مصر في صور متخيلة, غالبا ما احتوت علي الكثير من الانطباعات السياسية والأحكام المسبقة الجائرة
و قد أبرزت أكثر من دراسة نقدية تعمد بعض الرحالة والكتاب الأجانب عدم الحديث عن طبقة العلماء, خاصة علماء الأزهر والقضاة والفقهاء وخلطهم بين الدراويش وعلماء الدين وأنهم في وصفهم لطبقات المجتمع المصري قدموا صورا سلبية جردت المصري من الكثير من سماته الأصيلة. ومن المؤسف أن تلك الصور التي قدموها سواء عن عمد أم جهل بسياقاتها قد انعكست في بعض الكتابات العربية سواء علي المستوي الإقليمي أو المحلي.
وبالتالي فإذا كان الشرق الذي رسمه الغرب في أدبه أوجد صورة نمطية زائفة, وإذا كان إدوارد سعيد وغيره من الباحثين طالبوا بالخروج لأفق إنساني أرحب, تتخلص فيه الحضارات من التراتبيات عبر قراءة الذات والآخر وفق أسس موضوعية تتخلص من أسر المفاهيم النمطية والأحكام المسبقة والصور الشائعة,فيبدو أن الحل هو أن نقدم( نحن) دراساتنا و ترجماتنا الخاصة للأعمال الأدبية المصرية و العربية.. أن نبادر بتصدير قراءة حقيقية ترصد الواقع, ولا تتعمد خلط الأوراق أو إسقاط الأحداث أو الإخلال بتسلسلها لتسويق فكرة بعينها أو اللعب على أوتار تضمن الوصول لقائمة أعلي المبيعات!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق