أعلن حزب الله، على لسان أمينه العام، السيد حسن نصرالله، مشاركته الكاملة في الحرب السورية. وهي مشاركة كانت في البدء سياسية، ثم محدودة في نقاط معينة، والآن تحولت إلى شراكة يقول السيد نصر الله أنها تأخرت عاما ونصفا، لكن يبدو أنه لم يعد ممكنا تأجيلها بعدما توصل الحزب إلى أنه يقف بين فكّي كمّاشة، يكادان يطبقان على وجوده: إسرائيل جنوبا والإرهاب شمالا.
حزب الله لا يغامر، ولا يستثمر الدم في دورٍ؛ فالمهمة، بالنسبة إليه، هي، بالدرجة الأولى، مهمة دفاعية بامتياز. ذلك أن المشهد المتكوّن حوله، هو، بالفعل، مشهد الكمّاشة:
من الشمال هجمة ميليشيات الحلف الأمريكي الخليجي الاسرائيلي تطلّ على لبنان من غربيّ العاصي، وتكاد تعطّل أهم خطوط الإمداد للمقاومة، ومن الجنوب، تستعد إسرائيل ـ مستغلةً ضغوط الحرب السورية على الحزب والموجة المتصهينة في المنطقة العربية التركية ـ لشن عدوان انتقامي على جنوب لبنان، لا يثأر، ، لهزيمة 2006، وإنما يطمح إلى تنفيذ مشروعه القديم ـ الجديد، أي اجتثاث المقاومة وتأديب حزب الله، واستعادة لبنان الضعيف الأسير في قبضة الردع والتدخل الإسرائيلي، بل ربما تأمل تل أبيب باستعادة الشريط الحدودي وجيش لبنان الجنوبي أو اتفاقية أكثر اذلالا من اتفاقية 17 أيار. هكذا تغدو المعركة ضد الإرهابيين في قصير حمص، هي نفسها المعركة ضد الإسرائيليين في الجنوب اللبناني؛ إنها معركة واحدة، لا بالمعنى الستراتيجي فقط، بل بالمعنى التكتيكي أيضا. في القصير يقاتل حزب الله عن مارون الراس في أقصى الجنوب اللبناني.
بلا فتوى، و" بكلمتين"، يقول نصر الله: إن الحزب يستطيع أن يجمع حوله عشرات الألوف من المقاتلين المتطوعين لخوض الحرب على الجبهتين، الشمالية والجنوبية. ليس في ذلك محض استعراض للقوة، بل إقرار لواقع يتمثل في قدرة المقاومة على القتال، في آن واحد، ضد التكفيريين والإسرائيليين معا؛ فليحذر الجناحان من الخطأ القاتل في الحسابات.
إلا أن المعركة الراهنة الآن، هي معركة تأمين ظهر المقاومة وظهيرها. والانتصار في هذه المعركة، ضروري، فهو، إذاً، حتميٌ بالنسبة لأولئك الذين علّموا التاريخَ أولوية الإرادة، مستعدّين، دائما، لتسديد أتاوته. وهو انتصار سيحفظ لكل اللبنانيين، وطنهم قويا مستقلا تعدديا قادرا على استغلال امكاناته وثرواته وتحقيق الأرضية اللازمة للثورة الاجتماعية الداخلية.
لكن لمعركة حزب الله في سوريا، بعدٌ لبناني مشرقي. إنه الدفاع عن روح المشرق التعددي في مواجهة الحملة الهمجية لإلغاء الآخر، بإخضاع السنّي غير الوهابي، بل غير القاعديّ، إلى خيار أن يكون وهابيا قاعديا قاتلا أو مرتدا مقتولا، واجتثاث أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى بالذبح الحلال، وتهجير المسيحيين، وتحريم العلمانية واليسار والقومية، واستعباد النساء من كل الملل.
هذه المعركة، معركة المقاومة ضد الهمجية، وحدها، جديرةٌ بأن تُخاض، لا دفاعا عن الشيعة، بل عن السنّة أولا، والمسيحيين ثانيا؛ وبذلك فهي معركة الدفاع عن لبنان، الصورة المصغّرة للمشرق التعددي. وطالما أن المعركة ضد التكفيريين الإرهابيين هي نفسها من سوريا إلى العراق إلى فلسطين والأردن، فإن إرادة حزب الله المجربة ووعيه بحجم المشكلة التي تواجهها المنطقة، وقدراته المعروفة، تحوّله، اليوم، إلى قوة إقليمية مقتدرة ومسؤولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق