موضوعياً لا يمكن اختصار الأزمة في سورية في بعد واحد، سواء كان داخلياً أم إقليمياً أم خارجياً، فهي أزمة مركبة في أسبابها وعناصرها و أهدافها و مآلاتها، و لا شك انها بداية كانت داخلية بعناصرها و بعض ادواتها، و لم تمض سوى مدة قصيرة حتى حضر البعد الاقليمي أساساً فيها،
و لاسيما الدخول التركي الحاد على إحداثياتها متبنياً مطالب بعض القوى المعارضة الخارجية المعروفة بتوصيفها السياسي لدى السوريين دون استثناء، ولعل اللافت للانتباه هو التحاق دول الخليج بالموقف التركي، ولاسيما قطر و السعودية ومن ثم دول مجلس التعاون الخليجي، ما يشكل الانطباع الاكيد أن ثمة سيناريو ما كان قد أعد مسبقاً بين هذه الدول و غيرها من قوى خارجية غربية وجدت في حركة الاحتجاجات المطالبة بداية ببعض الإصلاحات ضالتها لتنفذ من خلالها للجسد السوري وتمعن فيه تمزيقاً وقتلاً وتخريباً وتستنفر رصيدها الذي بدا واضحاً أن ثمة اشتغالاً عليه كان قد حصل منذ زمن ليس بالقصير.وفي تحليل أبعاد الأزمة فلا يخفى على أحد أن أسباب الداخل فيما تعلق بها ليس لها أي علاقة بأسباب الخارج، و إن كان ثمة اتفاق على الهدف بين القوى الخارجية و ما أطلق عليه بداية معارضة الخارج التي ثبت أنها في أغلبيتها منخرطة بشكل كامل في مشاريع سياسية لقوى تحمل العداء لسورية منذ عدة عقود و كانت تسعى دائما لإسقاط نظامها السياسي وإخراج الجيش العربي السوري من المعادلة الاستراتيجية في مواجهة الكيان الصهيوني العدواني .إن إطالة أمد الأزمة التي كانت سورية، وأضحت دولية بامتياز كان له العديد من الآثار الكارثية على سورية و السوريين دون استثناء و لكن من المؤكد أن ذلك ساهم بشكل واضح في الكشف عن الأطراف الفاعلة والمحرضة التي حاولت ان تظهر بمظهر غير المعني أو المشارك فيها بشكل مباشر، ونخص هنا بالذكر كلاً من الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني اللذين راهنا على حرب استنزاف بطيئة تأتي على الجيش السوري، و لاحقاً المنظومة المقاومة عبر محرقة داخلية، ولا بأس أن تكون أيضاً فخاً للإرهابيين الذين صنعتهم أمريكا ليكونوا إرهابيين جوالين عند الطلب، ما يعكس غباء سياسياً أمريكياً غير مسبوق .
إن سقوط أدوات الداخل و القوى الإقليمية المرتبطة بالأمريكي و الإسرائيلي التي تمت المراهنة عليها لتنفيذ الأجندة الأمريكية الصهيونية بفضل بسالة وشجاعة قواتنا المسلحة، وتماسك مكوننا الوطني الحقيقي، وثبات الارادة السياسية السورية هو الذي حدا بالأمريكي أن يتقدم المشهد مباشرة وكان لا بد له من البحث عن ذريعة يعتقد أنها تشرعن فعلته العدوانية تلك، فلم يجد سوى أزعومة السلاح الكيماوي لتكون بوابته للولوج في عمق دائرة الحدث، غير مدرك أبعاد دخوله في المحرقة التي نأى بنفسه و حليفه الاسرائيلي عنها بشكل مباشر، و أعتقد خاطئا انه جاء في اللحظة الفاصلة التي اعتقدها ساعة الحصاد دون ثمن او ما يطلق عليه الرحلة المجانية، لكنه فوجئ بالموقف السوري الصلب و بإرادة دولية شبه عالمية و رفض من داخل البيت الامريكي لأي عدوان على سورية ليس له أي مبرر سياسي أو أخلاقي أو مصلحي إلا خدمة الكيان الصهيوني وتوابع أمريكا السياسية في المنطقة .إن الأزمة التي تشهدها المنطقة و العالم و حيزها الجغرافي سورية لم تعد مواجهة بين قوى في الداخل أو الاقليم بقدر ما هي صراع على مستقبل العالم، كانت الساحة السورية نقطة الصدام فيه نظراً لموقعها الجيوسياسي و تموضعها في لعبة المشاريع في المنطقة التي هي في جوهرها ليست لعبة أمم كما يحلو للبعض تصويرها، بقدر ما هي لعبة الكبار مع الصغار وعليهم ربما ما يعني وضع الأمور في سياقها الطبيعي و النظر إلى القرارات الاستراتيجية التي تتخذها القيادة السورية فيما يتعلق بموضوع الكيماوي بهذا المنظور لا غيره؛ لأن قوة سورية بالمعنى الاستراتيجي محصلة لقوتها الذاتية، مضافاً اليها قوة حلفائها الاقليميين والدوليين، وفي مقدمتهم الاتحاد الروسي .
مقالات للكاتب د . خلف المفتاح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق