بدأت الجزائر تعيش حملة مبكرة جداً للانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/نيسان المقبل، وجرياً على العادة الجزائرية أخذت اللهجة المتشنجة تطغى على الخطابات الموزعة على خارطة للتحالفات تتشكل تمهيداً لاستحقاق مصيري وصراع خطير . الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الذي يعاني أزمة صحية، هو مدار الصراع ورهانه، ومع أنه لم ينوي صراحة الترشح لولاية رابعة، فقد بدأ أنصاره يخططون لتنظيم تجمعات شعبية للتذكير بمزايا ولاياته الرئاسية السابقة، وما تحقق فيها من إنجازات سعياً لكسب الدعم له ومناشدته البقاء في منصبه . وبنفس الحدة تقريباً، تصطدم هذه الحملة بحملة مضادة تسعى إلى تشكيل جبهة سياسية ترفض التمديد أو التجديد أو “رئاسة مدى الحياة” لبوتفليقة وتطالب بإصلاحات جذرية وتغيير وجه النظام لمجابهة، ما تقول، إنها تحديات جسام تواجه الجزائر .
إلى حد الآن، ليس هناك ما يؤكد مخاوف المعارضين لرئاسة بوتفليقة أو ينفيها. وقد تتضح الصورة أكثر بعد الكشف عن التعديلات الدستورية التي يمكن أن تتأجل بموجبها الانتخابات عن طريق التمديد للعهدة الرئاسية الحالية لإنضاج الظروف الملائمة لسباق رئاسي لن يخرج في جوهره عن طبيعة النظام الحالي . وقد تحمل التعديلات مفاجأة طبيعية، هي إعلان بوتفليقة عدم الترشح، ذلك أن العارفين بالرجل يؤكدون أنه، برغم مرضه، يتصرف كرجل دولة، وليس هناك ما ينفي إعلانه انتهاء ولايته الثالثة في موعدها وتزكية شخصية يرضاها ويستأمنها على مواصلة سياسته التي بدأت منذ العام 1999 .
حزب “جبهة التحرير الوطني” رتب بيته الداخلي واختار عمار سعداني أميناً عاماً له، وباعتباره الحزب الأكبر في البلاد فإن دور قياداته وقاعدته الشعبية الواسعة وشرعيته التاريخية، تمكنه من حسم ملف الحكم .
وعندما يسعى إلى تعزيز قوته تلك بضم أحزاب أخرى مثل “التجمع الوطني الديمقراطي” بقيادة عبدالقادر بن صالح رئيس مجلس الأمة وحزب “تجمع أمل الجزئر” بزعامة وزير الصناعة عمار الغول، فسيضمن مركز القيادة وسيفرض مرشحه الرئاسي سواء كان بوتفليقة أو سواه .
الملاحظ أن ما أثار هذا الجدل فجأة، هو التعديل الحكومي الأخير،
فقد رأى فيه البعض تمكيناً لأنصار بوتفليقة في أجهزة الدولة وخاصة المؤسسة العسكرية النافذة وصاحبة القرار الأخير في كل ما يتعلق بالسيادة الجزائرية،
ولكن هذا الرأي قد لا يتطابق مع الرهانات الكبيرة في البلاد التي تقتضي قيادة نشطة وحركية يمكن أن تواكب سرعة التحولات الداخلية والإقليمية. فإضافة إلى الملفات الاجتماعية الملحة، مازال الملف الأمني شائكاً والنشاط الإرهابي يزداد خصوصاً على الحدود الجنوبية مع مالي والشرقية مع تونس وليبيا . و واضح أن التعديل الحكومي الأخير والتغييرات في صلب المؤسسة العسكرية والأمنية غايته بالدرجة الأولى التصدي لهذه التهديدات أكثر من الأهداف الانتخابية . لا شك أن المرحلة التي تمر بها الجزائر دقيقة وتتطلب حسن التدبر أكثر مما تستدعي من تعبئة وتجييش . وقد لا يطول الوقت حتى تنكشف الصورة، ويتأكد إن كانت ذاهبة إلى دعم استقرارها، أم هي بصدد إعادة اختراع الأزمة نفسها مثلما جرى تجريبها سابقاً .
مقالات للكاتب مفتاح شعيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق