اثنان وخمسون جريحاً فلسطينياً سقطوا في شعفاط، أربعون في رام الله، ثلاثون في الخليل، اثنا عشر في نابلس، سبعة في قلقيلية وخمسة جرحى في غزة، وربما هناك آخرون لم يصلهم الإعلام المشغول بقضايا باتت “أكثر أهمية” . هذه ملامح انتفاضة جديدة أو علامات تجدد الانتفاضة بتموّجاتها المعهودة منذ ديسمبر/كانون الأول ،1987 وإن كان من المبكّر الجزم بذلك، لا سيما أن أهم شروط الانتفاضة بعد نضوج ظروفها وأسبابها، هو وحدة الشعب المنتفض، وهذا غير متوفّر لدى الشعب الفلسطيني الموحّد وجدانياً لكنّه منقسم سياسياً وسلطوياً وجغرافياً.
هذا لا يعني أن الأيام المقبلة ستكون مثل الأيام التي قبلها، فهناك غضب تراكم عبر سنوات بسبب ظلم الاحتلال وإرهابه واستيطانه وعنجهيته المنفلتة من عقالها في القدس، رغم أن وسائل إعلامه تتحدّث منذ بضعة شهور، وبعضها يحذّر من انتفاضة ثالثة، ومن المرجّح أن يكون هدف تحرّك وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على خط استئناف المفاوضات، إلى جانب أهداف إقليمية أخرى، امتصاص الغضب الكامن لدى الفلسطينيين وقطع الطريق على الانتفاضة المتوقّعة.
الفصائل الفلسطينية تدعو بدورها إلى انتفاضة، وهي تعلم أنها ستكون مضطرة للعودة إلى صيغة القيادة الوطنية الموحّدة التي قادت دفّة انتفاضة الـ 87 ميدانياً ووضعت لها برامجها الواقعية المستوحاة من رصد القدرات والإمكانات الشعبية في كل مرحلة، وكانت قادرة على المواصلة بفعل سريتها والتحضير المسبق للقيادات البديلة التي تحل تلقائياً محل كل قيادي يعتقله الاحتلال. عندما أوقفت القيادة المتنفّذة لمنظّمة التحرير الفلسطينية الانتفاضة الأطول في التاريخ، لم يكن متاحاً لها ذلك لولا استجابة الفلسطينيين لما اعتقدوا أنه بداية حل سياسي ينهي معاناتهم ويحقق الحد الأدنى من حقوقهم متمثّلاً ببرنامج الإجماع الوطني وشعاره الناظم، الحرية والاستقلال، وعبر ترجمته المرحلية المتمثّلة بحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف . في ذلك الوقت، حرص الخطاب السياسي للقيادة المتنفّذة على تزيين اتفاق أوسلو وتحميله ما لم يكن يحمله، وبعد إنشاء السلطة، عمدت إلى تعويض النقص في مضامين الاتفاق عبر المسمّيات الرمزية التي لم يكن لها رصيد، والشكليات البروتوكولية الموحية بشكل الدولة. بعد كل هذه السنوات العجاف لم يعد أحد من الفلسطينيين مقتنعاً لا باتفاق أوسلو وتوابعه، ولا بالمفاوضات العبثية، باستثناء حفنة من المؤمنين بأن “الحياة مفاوضات”، ذلك أن مواقعهم لن تبقى مضمونة في حالات الاشتباك الثوري الانتفاضي التي قد تعصف بالنظام السياسي الوهمي الذي أنشأه “أوسلو” . لم يعد أحد من هذه القيادات قادراً على الدفاع الجدي عن المفاوضات التي لم تعد لها أية جدوى للفلسطينيين، بل هي ربح خالص للصهاينة ومشروعهم الاستيطاني التهويدي الاقتلاعي.
إذا لم تكن هذه بداية انتفاضة جديدة، فإنها بالتأكيد البروفات الأخيرة لها، فلم يعد الشعب الفلسطيني قادراً على احتمال هذا الاحتلال البغيض، لم يعد ممكناً استمرار الصمت على معاناة آلاف الأسرى في السجون، ولم يعد من المقبول استمرار النهب التدريجي للأرض والممتلكات لصالح الاستيطان، وقد أدرك الفلسطينيون أنهم يخوضون الصراع مع هذا الاحتلال منفردين، بعدما أُشغلت الشعوب العربية بصراعات داخلية طاحنة، كما استبدلت الفتاوى والأولويات لغاية في نفس صهيون.
مقالات للكاتب امجد عرار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق