الاثنين، 26 ديسمبر 2016

د . إبراهيم الجعفري | ضغط اللحظة

~اللحظة أصغر مفردات الوقت وقد سميت كذلك لانها بمقدار "لحظ العين في القصر" وتبقى هي وحدة التعامل بالوقت مهما قصرت غير أنها تختلف من وَاحِدَةٍ لأخرى, هناك "لحظة فزع" و"لحظة شهوة" و"لحظة تأمُّل" و"لحظة حب" و"لحظة مراجعة" و"لحظة تورط" و"لحظة غفلة" و"لحظة حمق" و"لحظة صحوة" و"لحظة صرعة"..
من الذي يعطي اللحظة هويتها ويكيل لها وزنها ويحدد لها بوصلتها بالاتجاه؟؟ انه الانسان ذاته ومن خلال ما يحمل من محتويات تغمر زمن حياته بالتوجّه النوعي الذي يميّزه عن الاخرين.. أحداث كبيرة في التاريخ صنعتها لحظات عابرة فلحظة عصفٍ جنوني صنعت حرباً عالمية جرّت ويلات على ملايين الأبرياء وهدرت خزيناً هائلاً من الثروات..
ولحظة يقظة ضمير اقترنت بمراجعة شجاعة صنعت ولادة نوعية أحيت إنساناً كان في عداد الأموات كما الحر الرياحي حين خيّر نفسه بين الجنة والنار!! لكن مدخل الجنة كان قتلاً مع الحسين وكانت دنيا غلبة عمر بن سعد قد انطوت على نار جهنم.. ولحظة تردد أحد العارفين وقد عاش تراجعاً عن الدرس بسبب عائق اللغة.. لكن لحظة التأمل لشلال الماء في طريق عودته من مدينة الدرس الى مدينة الإقامة كشفت عن حجم حفرةٍ كبيرةٍ عند مسقط الشلال وسط الصخور مما أدّت به أن يعود الى موطن الدرس وقد استوحى عِبْرَةً من الوجود مفادها أن التواصل في بذل الجهد يحقق أكبر الاهداف.. ما دام الماء بالتواصل يحفر بالصخر!! وهكذا أصبح كوكباً من كواكب العلم ومناراً للفضيلة والحكمة فيما بعد!!
محتوى اللحظة من غزارة التجلّي للحقيقة يجعلها نوعيةً وصاحبها في مفرق طريق.. فاللحظة وان كان وعاؤها الزمني أصغر ما يكون عليه لكنها كمفاعل تغييري أقوى ما تكون عليه..
كثيراً ما جرّت لحظة الشهوة العارمة وبالاً ثقيلاً وندماً كبيراً وحسرةً عميقةً على صريعها.. صحيح أن اللحظة هي العلامة الفارقة في الاتجاه لكنها ليست الفاصلة في الحسم بين الصواب والخطأ بل أنّ الفعل الفصل يكمن في التفكير والتأمل المسبق والاعتبار من دروس الحياة المبثوثة في شتى الميادين والمخزونة في أوعية التاريخ.. تبقى الارادة الجادة هي من تصنع الموقف ومثلما تتجاوز بحجمها حجم الوقت في لحظة وقوعه تتجاوز كذلك قدر الجسم والسلاح والمال وتأبى الا أن تصنع ما يعجز عنه الكثيرون من الناس..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق