بعد مطلع العام 2011 اكتظ المشهد السياسي العربي بكثير من التقلبات التي أوجدت مزاجاً سياسياً يقاوم أي تغير من خلال شن ثورات وحملات مضادة ضد الشارع الذي أصبح يقرر ما يريد وخاصة أن ملامح المرحلة الحالية لن تراهن على الوقت بقدر المفاجآت التي قد تغير خريطة الأحداث اليومية في كل بلد عربي.
والمنطقة اليوم برمتها تمر بوضع غير مستقر لغياب الدولة المدنية، وهو الشعار الذي حرك الشعوب العربية وأصبح غاية أساسية للشباب ومختلف القوى السياسية التي تبحث عن من يسمع لها ويحاورها أساس مبدأ الحقوق المتساوية. ولكن، ما نجده هو ان إمكانات دول الخليج تسخر في خلط الأوراق او في الثورات المضادة.
إحدى القراءات السياسية في هذا المجال للمحلل اللبناني سعد محيو، وما أشار إليه المحلل البريطاني مايكل بيل عن تحولات مصر الأخيرة والتي نشرتها صحيفة «الفايننشال تايمز» في (15 يوليو/ تموز 2013).
فقد كتب محيو «(الثورة المضادة) التي تقوم بها دول الخليج الآن لمحاولة إعادة تشكيل المنطقة العربية على صورتها، لن تكلل بالنجاح، وهذا في الدرجة الأولى لأنها تستخدم أدوات تحليل قديمة لمحاولة تطورات جديدة غاية في الاختلاف في المجتمعات العربية (كما أيضاً في المجتمعات الخليجية نفسها). صحيح أن الأجواء الاحتفالية التي تسود الآن دوائر النخبة الحاكمة في الخليج، ستحجب أي تفكير منطقي حيال الانقلاب الشعبي - العسكري المصري وما بعده، لكن الأصح أن يبدأ صناع القرار التفكير العلمي من الآن في تلك المنطقة بالغة الحساسية والأهمية الستراتيجية، قبل أن تدهمها الأحداث بمفاجآت قد لا تخطر على البال.
واستند محيو إلى ما كتبه بيل «مشكلة هذا التوجّه الخليجي هي أنهم ردوا على الربيع العربي بمزيج من العطايا المالية والقمع... كما أن هناك فجوة كبيرة داخل الخليج وخارجه حول ما يعنيه «التطرف والاعتدال»، دول الخليج تحاول الآن إعادة رسم منطقة الشرق الأوسط على صورتها. لكن العديد من الدبلوماسيين يحذرون هذه الدول من أن التدخل في شؤون الدول الأخرى على أسس ايديولوجية، يحمل معه خطر زرع الكراهية لها في المنطقة. والأسوأ أن ذلك قد يمتزج مع مغامرات إمبريالية (خليجية) كارثية وسيئة الطالع».
كلام بيل ومحيو جدير بالاهتمام؛ فلا يمكن أن تنحل مشاكل الشارع العربي بالمال فقط ولكن يجب أن تكون هناك ستراتيجية للاقتصاد وللسياسة - بمعنى آخر - رفض التحديث السياسي المواكب والموازي للتحديث الاقتصادي في مجتمعاتنا الخليجية والعربية لن يحقق الاستقرار والتطور المطلوب؛ لأن مرحلة الربيع العربي مازالت مستمرة والشارع نفسه لم يهدأ بعد، وهو في ازدياد يوماً بعد يوم، واستمراره لحد الآن بسبب انعدام الحل والإصلاح الحقيقي.
إن الحلول المؤقتة والسريعة لن تهدئ من مشكلة أي بلد عربي كان، وحتى الأتراك تأثروا بمجريات ما يحدث في الساحة العربية؛ فهناك حالة من المعارضة الشعبية في ميادين تركيا وأخرى في بلدان عربية شتى. ان هذا يعني ان المنطقة دخلت موجة جديدة (موجة مابعد العام 2011) وأن الأمور تغيرت مع حركة مصر التصحيحية في 30 يونيو/ حزيران 2013 التي دفعت باتجاه التعددية وساهمت في نشر الوعي الحقوقي والإنساني لتحقيق الديمقراطية الأكثر نضجاً.
«الثورات المضادة» لن تحقق معادلة الأمن والاستقرار ولكنها قد تدفع الشارع العربي إلى تبني آلية التحالفات التي نجح فيها الشارع المصري لنزع حكم «الإخوان»... وهذه مجرد البداية وما هو قادم قد يحمل مفاجآت إمّا تقود المنطقة إلى حروب أهلية أو ثورات عدة تنتهي كما انتهى الفرنسيون مع تاريخ نضالهم الطويل لتحقيق الديمقراطية الناضجة تحت مظلة الدولة المدنية.
مقالات للكاتب ريم خليفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق