في كلام وزير الخارجية المصري الجديد نبيل فهمي ما هو جديد فعلاً، وفيه استكمال لما قاله الرئيس المؤقت عدلي منصور حول ضرورة استعادة مصر لدورها ومكانتها عربياً وإقليمياً ودولياً . تصريحات فهمي في مؤتمره الصحافي الأول جاءت تفصيلية وكأنه أرادها أن تكون بمثابة شروحات لخطاب منصور في الذكرى السنوية الأربعين لحرب العاشر من رمضان .
القاعدة الأساسية لعودة مصر إلى دورها هي مصر نفسها، العامل الذاتي والعنصر الداخلي والجسد الذي ينبغي له أن يتعافى ويعود إلى قوته، والبيت الذي يجب أن يضاء لكي يستطيع أن يضيء . من هنا يصبح موضوع المصالحة الداخلية وضبط الأوضاع الأمنية، بمثابة الظرف الشرطي لأي انطلاقة خارجية، حتى على جبهة سد النهضة الإثيوبي على النيل.
للمصالحة الداخلية طرفان: الأول الدولة حكومة وجيشاً وغالبية الشعب، والثاني جماعة الإخوان المسلمين وجمهورها الواسع. هناك طرف ثالث خارج نطاق المصالحة هو الجماعات المسلّحة في سيناء على نحو خاص، مع مؤشّرات على بعض التواجد في المحافظات الأخرى، والتفجير أمام مركز شرطة الإسماعيلية أحد هذه المؤشرات.
الدولة قالت كلمتها الواضحة مع المصالحة وعدم الإقصاء لأي طرف، وقادة “الإخوان” قالوا كلمتهم برفض المصالحة إلا بعد عودة الرئيس المعزول إلى الحكم، مع علمهم المسبق بأن هذا الشرط من المستحيل قبوله، وقد عبر الرئيس المؤقت عن ذلك بالقول: إن التاريخ لا يمكن أن يعود للوراء. من المستغرب أن تتصرّف الجماعة خلافاً لخبرتها الطويلة، وأن تغلّب الكبرياء الذاتي على مصلحة الوطن، إذ إن الصراع مع الدولة وغالبية الشعب، لن تكون نتيجته سوى الصدام الذي يتحوّل إلى دام، إن لم يكن بفعل أحد الطرفين أو كليهما، فبفعل طرف آخر متربّص وانتهازي ومأجور. وكما قلنا سابقاً، فإن الصراع الداخلي مع كل صعوبته لن ينزلق إلى حرب أهلية، وما قاله بوتين يأتي في سياق التحذير الوقائي، وليس من باب التوقّعات الحتمية.
الصراع مع الطرف المسلّح في سيناء هو الأخطر، فهو يستغل الوضع الناشئ بعد 30 يونيو ليواصل العمل على تحقيق هدف قديم هو استنزاف الجيش المصري وإرهاقه خدمة لـ “إسرائيل” . المعطيات التي وصلت إليها التحقيقات في اليومين التاليين تكشف عناصر جديدة تستنسخ تجارب أخرى، وإلا ما معنى ظهور “جيش مصر الحر”، وكشف مخطط اغتيالات لشخصيات وقيادات؟ وما معنى بث فيديوهات لأشخاص ملثمين والإدعاء أنهم ضباط منشقون عن الجيش؟
لا ينبغي الاختباء خلف الإصبع واستبعاد السيناريوهات الأسوأ، فما كان مستحيلاً بالأمس، بات متداولاً اليوم، وما يبدو مستبعداً اليوم قد يتحوّل إلى أمر واقع غداً . مهما حاول البعض تجزيء القضايا والمشاكل، سيصطدم بالحقيقة المرة وهي أن من اخترعوا مصطلح الشرق الأوسط الجديد عنوا ما قالوه، ولذلك فإن التعاطي مع الأخطار بمنطق متعاكس سيفاقمها . من هنا فإن مصر أمامها تحدّيات أشد جسامة، حتى تستعيد مكانتها ودورها، وأهم هذه التحدّيات عدم السماح برسم الضلع الثالث في مقولة بن غوريون بأن “عظمة “إسرائيل” ليست في قنبلتها الذرية ولا ترسانتها العسكرية، ولكن عظمة “إسرائيل” تكمن في انهيار ثلاث دول هي: مصر والعراق وسوريا.
مقالات للكاتب امجد عرار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق