نالت قضية خبير المعلومات سنودن اهتماماً واسع النطاق بعد إفصاحه عن نشاطات أجهزة الاستخبارات الأميركية في جهودها للتجسس على المحادثات والمراسلات الإلكترونية للملايين من المستخدمين حول العالم .
وبين فترة وأخرى تنكشف أخبار عن محاولات متواصلة لمختلف أجهزة الاستخبارات حول العالم للتنصت والتجسس ومتابعة وسائل الإتصال التي تربط العالم بعضه ببعض. ومع تطور وسائل الاتصال هذه وخصوصاً في المجال التقني وتزايد نسبة مستخدميها في العالم، فقد أصبح التنصت عليها ومراقبتها وسيلة لكشف كل ما يدور بين مستخدميها.
ومن الواضح أن أجهزة الاستخبارات في كثيرٍ من البلدان وخصوصاً في منطقتنا العربية، لا تعير أي اهتمام للجوانب المبدئية والحقوقية، حيث إنه لا توجد قوانين وأنظمة توضح الحدود الفاصلة بين الأمن الوطني وحرية الفرد. وفي ظل التطورات التقنية المتسارعة، لم تعد هنالك حرمةٌ أو خصوصيةٌ للأفراد كما هو الحال في الأوضاع التقليدية، كالحرمة المعتبرة للمنازل والعائلة وما إلى ذلك. فبإمكان أية جهة الآن اختراق كل خصوصيات الأفراد، والوصول الى كل المعلومات عنهم بسهولةٍ حتى لو اتخذوا تدابير أمنية عالية.
فخلال دقائق معدودة، يمكن نقل كامل المعلومات المخزنة في الحاسوب الشخصي وكل المتعلقات من سجل الأبردة الإلكترونية، والمحادثات، ومحتويات صفحات التواصل الاجتماعي، بل والتلاعب في موادها ومضامينها. بل إن بعض الشركات التي تعمل في المجال الأمني تبيع برامج قادرة على تركيب أصوات وصور مفتعلة ودمجها بطريقة تبدو حقيقية جداً. لم تكتف بعض أجهزة الاستخبارات أو عصابات الجرائم الإلكترونية بمراقبة ما يدور في وسائل الاتصال بصورة متقدمة تقنياً بحيث لا تترك أثراً لدى الأشخاص تحت المراقبة، بل تجاوزت إلى حد التدخل في الحسابات الخاصة لهؤلاء الأفراد من منافسين سياسيين أو رجال أعمال وأصحاب شركات وشخصيات فنية مشهورة بغرض الابتزاز والتأثير على مواقفهم . والأدهى من ذلك انتشار عصابات متخصّصة في الجرائم الإلكترونية تقوم بمتابعة ورصد وسائل الاتصال بين أفراد ومؤسسات معينة، وتتمكن من جمع كم كبير من المعلومات المنشورة عنهم وحولهم وإعادة تنسيقها وبثها بصورة تعرض هؤلاء المتضررين لأقصى درجات الإساءة. تثير هذه التوجهات التجسسية جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية، فأجهزة الاستخبارات تدّعي أن جهودها هذه أعمال مشروعة، لأنها تدخل ضمن حماية الأمن الوطني من الأعمال الإرهابية ومكافحة الجريمة الدولية كتهريب المخدرات وغسيل الأموال . في مقابل ذلك تعد المنظمات الحقوقية المدافعة عن الحريات العامة والفردية أن مثل هذه الإجراءات تعد تقييداً للحريات وتحدّ من خصوصية الأفراد في التواصل بين بعضهم البعض، وخصوصاً عندما ترتبط بعمليات استدراج أو ابتزاز. لعله من المهم هنا الإشارة إلى أهمية التوعية بمثل هذه المخاطر، والتنبيه إلى أفضل سبل الحماية، والحذر من سوء الاستخدام والاستغلال، وكذلك التوجيه لإيجاد مراكز إبلاغ محددة عن مثل هذه الممارسات .
كما ينبغي أيضاً تحديد صلاحيات ومسؤوليات الأجهزة الرقابية والأمنية، بحيث لا يتجاوز عملها حدود المجال الأمني، ولا يستخدم ذلك غطاءً أو تبريراً للتدخل في خصوصيات الأفراد ومعلوماتهم الشخصية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق